إعلان “ديوانيّة ذُرّيّة الشاذلي”.. فى الإحتفال بالهجرة النبوية: أكاديمية عالمية للتصوّف.. برعاية الأزهر والأشراف
د. حسن الصغير: الشريعة والحقيقة.. صنوان لا ينفصلان.. السيد محمود الشريف: مصر لا تدّخر جهداً لدعم التصوّف الحق.. د. ياسر الشاذلى: المجالس العلمية الشاذلية.. منارة للتصوف الصحيح محمد الخلوتى: "مولدان" لـ"ساكن حُميثرة".. مصطفى ياسين: الصوفية شُركاء فى بناء الوطن وتنمية المجتمع
كتب / مصطفى ياسين
أجمعَ علماءُ من الأزهر وأشراف ومتصوِّفة وسياسيّون مصريون وعرب، على أن الاحتفال الحقيقي والصحيح بذكرى الهجرة النبوية الشريفة إنما يكون بهَجْر المعاصى واجتناب النواهى والمحظورات، والاقتداء والامتثال التام للمنهج النبوى، مؤكِّدين أن التصوّف الحقّ قادر على نشر الدين الحنيف، بمنهجه ومدارِسه المعتدلة، التى لا تعرف إفراطًا أو تفريطًا، وأن قوّة الصوفية في وِحْدَتِهم، فإذا تحقّقت نشروا السلام والأمن في ربوع الدنيا، كما نشروا الإسلام بسماحتهم وأخلاقهم النبيلة.
جاء ذلك في الاحتفال الذي أقامته نقابة السادة الأشراف، وذرّيّة الإمام علي أبي الحسن الشاذلي، إحياءً واحتفاءً بذكري الهجرة النبوية والعام الهجري الجديد، بمقر ديوانية ذرية الإمام الشاذلي، بجمعية أحمد عرابي التعاونية الزراعية، مدينة العبور، الخميس الماضى، بحضور ورعاية سماحة السيد محمود الشريف، نقيب السادة الأشراف، وحضور عبدالحليم علام- نقيب المحامين- المستشار فاروق سلطان- رئيس المحكمة الدستورية العليا الأسبق وعضو المجلس الأعلي لنقابة الأشراف- د. حسن صلاح الصغير- أمين عام هيئة كبار العلماء بالأزهر- السيد محمد يحيى- شيخ الطريقة الخلوتية الشاذلية- عمر زين- أمين عام اتحاد المحامين العرب الأسبق- وعدد من أعضاء المجلس الأعلي لنقابة الأشراف، وأعضاء هيئة مكتب النقابة العامّة للمحامين وبعض أشراف الحجاز والسودان.
بدأ الحفل بتلاوة عطرة لآيات الذكر الحكيم وسماع المديح والابتهالات الدينية للشيخ محمد على جابين.
صنوان لا ينفصلان
أكد د. حسن الصغير، أن الشريعة والحقيقة صنوان لا ينفصلان، بل إن الشريعة هى أصل الحقيقة، فالوَلِىُّ هو المؤمن التقىّ، أو كما قال سيّدنا النبى: “الإيمانُ ما وَقَرَ في القلب وصدَّقه العمل”، والسيرة النبوية الشريفة مَنْهل مَوُرود، وسيّدنا رسول الله هو إمام الدعاة والأولياء حتّى فى هجرته قدوة لنا، فهجرته تطرح علينا طرحين، الأول: أننا أمّة فرَّطت وعَصَت وتريد أن تُهاجر. الثانى: أننا أمّة تُحْسِن لكنها مُقصِّرة.
استدرك د. الصغير قائلاً: وبالنظر إلى الحديثين الشريفين: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيّة…”، “المسلم من سَلِمَ المسلمون- وفى رواية الناس- من لسانه ويده”، نجد أن الهجرة المكانيّة قد انتهت وبقيت لنا الهجرة المعنويّة بالحال، من الحَسَنِ إلى الأحسن، وهذا ما نحتاجه فى عصرنا الحالي، نهاجر إلى خير وسعادة الأمّة، مع التسليم بوجود عُصاة، فنحن بحاجة ماسَّة لتقوية أواصر العلاقات الأُسرية والاجتماعية، والاقتراب أكثر من أبنائنا دليل نجاحنا أو العكس، نحتاج للهجرة إلى مجتمع مُنْتِج مُتكاتف، لديه توعية وتربيّة على الأخلاق والقِيم أكثر من العقاب والجزاء، وهذا ما يخلق مجتمع المدينة الفاضلة، كالذى أسَّسه سيّدنا رسول الله، قبل وبعد الهجرة.
عصر آل البيت
أوضح السيد محمود الشريف- نقيب الأشراف- أن سيّدنا رسول الله هو أول سياسى وحقوقى، بالمفهوم المعاصر، علاوة على رسالته الدعوية المُكلَّف بها من الله، حيث وضع أُسَس الدولة المدنيّة، دولة المواطنة الحقيقية، بوضعه “وثيقة المدينة”، التى آخَت بين المُهاجرين والأنصار، وأرست قواعد المعاملات والعقود بين كلّ سكّان المدينة، مسلمين وغيرهم.
وأكد “الشريف” أن الدولة المصرية الحديثة لا تدَّخر جهداً لدعم التصوّف الحقيقي، القائم على منهج الكتاب والسنَّة وحبّ آل البيت والصالحين، وظهر ذلك واضحاً جلياً في حرص الرئيس عبدالفتاح السيسى، على حضور افتتاح مسجد ومشهد سيّدنا الحسين بعد تجديده، فى إطار التطوير الشامل لمقامات وأضرحة ومساجد آل البيت والصالحين، انطلاقاً من حبّ مصر والمصريين لآل البيت، والمصحوب باحترام الصحابة والتابعين وأُمَّهات المؤمنين جميعا، وهذا ما يجعلنا نؤكّد أننا نعيش عصر الحب الحقيقى لآل البيت، وذكر “الشريف” أنه كان أول من نَبَّه ودعا لإحياء مسار آل البيت، فى بيان رسمى خلال تولّيه وكالة مجلس النواب، أثناء مناقشة مشروع مسار العائلة المقدّسة، بما يجعل المسارَين مصدراً كبيراً للدخل القومي المصري .
وتعهَّد “الشريف” بتبنّى نقابة الأشراف لعَرْض مشروع إقامة أكاديمية عالميّة للتصوّف، على كل مؤسّسات الدولة، خاصّة الدينيّة والصوفيّة، والتى تعيش مرحلة التنسيق والتعاون القوى، وعلى رأسها مشيخة الأزهر بقيادة الإمام الأكبر د. أحمد الطيّب، ووزارة الأوقاف بقيادة د. مختار جمعة، والمشيخة العامّة للطُرق الصوفيّة، بقيادة د. عبدالهادي القصبى- وهو رئيس لجنة التضامن بمجلس النواب- ومعه اللجنة الدينية بقيادة د. على جمعة- المفتى السابق- د. أسامة العبد- رئيس جامعة الأزهر سابقا- بجانب نقابة الأشراف التى تدعم وترعي كل خطوة لنشر الفكر الصحيح والمنهج الوسطى للإسلام عامّة والصوفيّة خاصّة.
وتمنَّى “الشريف” انتهاء الأزمة السودانية الحالية، قائلاً: أدعو الله سبحانه أن نور سيّدنا رسول الله ينزل إلى السودان قريباً جداً، ويحلّ السلام بين المتنازعين، مشيراً إلى أن التصوّف وأهله فى السودان قوى جدا، فلا يخلو بيت سودانى من متصوِّف، وهو قوّة للعالم أجمع، وقوّة الصوفية في وِحْدَتِهم وفي خطاب صوفي مستنير، ولو أن القادة الصوفيين على مستوى العالم اجتمعوا ودَعَوا المتنازِعين للتصالُح لاستجابوا فوراً، ترجمة لقوله تعالى: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”، واقتداء بوصف الخالق سبحانه لنبيّه “وإنك لعَلَى خُلُقٍ عظيم”.
مجلس.. وساحة
وأعلن د. ياسر الشاذلي- مستشار نقيب الأشراف، مُعرِّف أنساب أبى الحسن الشاذلى بالنقابة- تكوين مجلس علمى شاذُلى، برعاية نقابة الأشراف، يُعقد شهرياً، بحضور علماء متخصّصين للحديث في موضوعات مُختارة وتَنعقد في كل مناسبة إسلامية لتقدِّم نموذجا عمليا لإيصال المفهوم الصحيح للتصوّف من خلال فهم وعمل منهج الإمام الشاذلي، عقيدة وسلوكا، انطلاقاً من المقولة الشهيرة “مَنْ لم يَتَشَذَّل لم يتصوّف”، باعتبار أن أغلبية المتصوّفة مُنبثقون من المنهج والمدرسة الشاذلية، ويقدِّم النسخة الأقرب لفهم المنهج النبوي المُستودَع فى صدور آل البيت ليكون “نَسَبٌ مُقترِن بعَمَل”، مؤكّداً أن التصوّف أداة هائلة وقُوى ناعمة فى يد مصر، فإذا ما تبنّينا خطابا جديداً، جناحَاه الأزهر والتصوّف، تحتّ مظلّة نقابة الأشراف التي من أهم مهامها بعد ضبط وتوثيق أنساب الأشراف، هو النطق بالخطاب المحمّدي الوسطي الصحيح، ستستعيد مصر قيادتها وريادتها الدينيّة، وتؤكّد بحقّ أنها قِبْلَة العالم الإسلامي أجمع، وسيُقدّم هذا المجلس تصوّفا حقيقياً صافياً نقيًا للعالم من الساحات الموجودة حول مقام الإمام الشاذلي في حُميثرا، وأيضا من ديوانية ذرّيّته في جمعية عرابي ومن أي مكان بالجمهورية يؤسَّس بمعرفة المحبّين الصالحين من أجل هذا المنهج، لنَصِلَ بخطاب اسلامي أصيل إلي عموم المصريين والمسلمين جميعا، بعيدا عن أى انحراف أو تحلُّل أو غلو، أو مخطَّطات لإخراجه عن حقيقته ومساره الصحيح.
واستند “الشاذلى” فى نجاح المجلس المُقترح، بما هو مستودَع فى قلوب المصريين من حفظ القرآن الكريم، وهو الثَقَل الأكبر، المذكور في الحديث الصحيح، “تركتُ فيكُم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلّوا بعدى أبدا، كتاب الله وعِتْرَتى”، ثم الثَقَل الأصغر وهم آل البيت الذين تشرَّفت بهم مصر المحروسة وهم ما حُفِظَت أنسابهم إلا لكي يُقدِّموا النموذج والقدوة وخدمة مجتمعاتهم وهدايتها وليعملوا بين الناس بعمل جدّهم رسول الله .
كما اقترح د. الشاذلي لقاء محافظ البحر الأحمر، لطلب تخصيص مساحة، بـ”وادى عيذاب”، عند جبل حُميثرا، بجوار الإمام الشاذلى، ليتولّي بناء ساحة للأشراف وساحة لذرّيّة الإمام الشاذلي لاستقبال وحُسن وِفَادة زوّار الشاذلى، لتكون نقطة الانطلاق لتيسير السياحة الدينية الداخلية والخارجية، كما دعا الدولة لِتَبَنِّي ملف السياحة الدينية بقوّة وإنشاء ساحات فُندقية تستوعب الأعداد المتزايدة من الزوّار، مؤكّدا ضرورة أن يكون الخطاب الإصلاحي الذي سيَصدر تحت رعاية نقابة الأشراف بالتعاون مع مشيخة الأزهر والطُرق الصوفيّة، وتميّزه بكونه عاما شاملا عقائديا إصلاحيا سلوكيا هاديا، وهذا دور أصيل لنقابة الأشراف تمارسه وتظهره، مشيراً إلى أن الساحات الشاذلية الحالية حول المقام مؤهَّلَة لهذا الدور ولكنها ليست كافية وتحتاج لزيادة أعدادها، كما شكر الدولة علي البدء في تمهيد وتأهيل طريق سيدي سالم حتى مقام الشاذلي بطول ١١٠ كم .
مولدان للشاذلى
وقال السيد محمد يحيى- شيخ الطريقة الخلوتية الشاذلية-: إذا كانت مشيخة الطرق الصوفية قد عَدَّلت تاريخ مولد الإمام الشاذلى إلى آخر شوال بدلاً من التاسع من ذى الحجة الذى تعارَف عليه الناس، فإنه سيُصبح له مولدان وليس واحداً فقط.
وأشار إلى أن طريقته “الخلوتيّة الشاذليّة” أول طريقة صوفية يكون لها مقر بمنطقة القاهرة الجديدة، بعد أن نَقَل إليها جثامين مشايخه وكانت سليمة وكأنها مدفونة حديثا.
الطريق إلى حُمَيْثَرا
وعَرَض مصطفى ياسين- مدير تحرير “عقيدتى”- تجربته لمشاق الرحلة إلى وادى عيذاب، وجبل حُمَيْثَرَا، حيث ساحة الإمام الشاذلى، فى الثمانينيات، حيث السير في طُرُقٍ غير مُمَهَّدَة عبارة عن مَدَقَّات رملية، وافتقاد للمياه العذْبَة، وغياب أماكن الإقامة، واستنكر ترويج بعض المفاهيم والمُعتقدات الخاطئة عن التصوّف والصوفيّة، مُحَمِّلاً أهل التصوّف مسئولية المواجهة والتصحيح بتقديمهم القدوة الحَسَنة لرجال الصوفية الحقَّة، المُساهمين في بناء الوطن وتنمية المجتمع بما فيه الخير والصلاح للجميع.
الحاجّة زكيّة
واستعرض السيد أحمد محمود- حفيد الحاجة زكيّة صاحبة المقام المجاوِر لضريح الإمام الشاذلى- قصّة حياتها، وكيف أنها حفظت القرآن كاملا في عُمر ١٠ سنوات، واتّصفت بحبّ آل البيت والخُلوة منذ صباها، واختيارها مكاناً مجاورا لمسجد الإمام الحسين كساحة، لكنها دُفِنَت بجوار الإمام الشاذلى بعدما رأي لها أحد الصالحين رؤيا أنها ستُدفن في حُميثرا وبالفعل قُبضت ودُفِنَت فى ضريحها الذى أعَدَّتُه بنفسها وكانت تُعَطِّره بالقرآن والعطور .
أكاديميّة التصوّف
وطالبت د. رحاب كمال- الأستاذة بجامعة الرباط الوطني، مدير إدارة البيئة بوزارة النفط السودانية- بإقامة أكاديميّة مصريّة سودانيّة للتصوّف، تُدَرِّس المنهج العلمي للتصوّف لتنقيته من الشوائب التي عَلَقت به، وليصبح الصوفِّىُ قُرآنا يمشى على الأرض، اقتداء بسيّدنا النبى، وطالبت قيادة نقابة الأشراف برعاية الأكاديميّة ومباركة الخطوة .
تنقيّة الصوفيّة
وشدَّدت فاطمة الزهراء غنيم- عضو مجلس نقابة المحامين- على ضرورة تصحيح مفاهيم التصوّف وتنقيتها من مصطلحات البِدَع والخُرافات وخاصة المتعلّقة بالمرأة، من خلال تدريس فقه المرأة المسلمة المتصوِّفة، بخطاب وسطى، تُقَدِّمه داعيات مُتفقِّهات.
واختُتم المجلس بالدعاء لمصر قيادة وشعبًا وعموم العرب والمسلمين والصالحين من بني آدم عموما، ورفع الحاضرون- بقيادة نقيب الأشراف- التهنئة والتبريك للرئيس عبدالفتاح السيسي، سائلين المولي سبحانه أن يَمُنَّ علي مصر دوما بالأمن والسلام والازدهار.