900
900
مقالات

” بريكس” .. الضربة القاضية لسيطرة الدولار.. أم مجرد أمل زائف؟

900
900

بقلم / عمرو علاء

بلا ادنى شك أن وجود الولايات المتحدة على رأس العالم كقوة مسيطرة و كقطب اوحد للعالم يرجع لعدة عوامل، من التفوق العسكري الى النجاح الاقتصادي الى القوة الصناعية و الوسائل الدبلوماسية الناجحة، لكن ربما اكثر عامل يجعل الولايات المتحدة متفردة عالمياً هو الدولار، فبفضل هيمنته على التجارة العالمية و نظام “البترودولار” فالدولار الامريكي هو العملة الأكثر استخداماً و الاقوى عالمياً و خير دليل على اهمية الدولار بالنسبة للولايات المتحدة تصريح الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب في خطاب القاه بولاية فلوريدا مطلع ابريل الماضي حيث صرح : “عملتنا تنهار وقريبا لن يكون الدولار هو العملة العالمية، إنها هزيمة غير مسبوقة في ٢٠٠ عام،
وهذا سيبعدنا عن مكانتنا كقوة عظمى”، و بدون ادنى شك من اكبر التهديدات لتلك السيطرة تتمثل في تحالف “بريكس” الصاعد و بقوة، فيما يلي نتعرف على المصطلح و من أين أتى.. و اين تكمن قواه و موارد الدول الاعضاء و ما مدى تأثيره على الاقتصاد العالمي في الحاضر و المستقبل.
هو اختصار لأسماء الدول ذات اسرع نمو اقتصادي في العالمBRICSبالأنجليزية : “بريكس”
الا و هم : البرازيل، روسيا، الهند، الصين و جنوب افريقيا، تأسس عام ٢٠٠٩ بالاربع دول الاوائل و انضمت الاخيرة في ٢٠١٠، و لربما من اكبر اسباب تأسيسه هو السياسة الاستبعادية التي يتبعها الغرب و الولايات المتحدة مع روسيا و الصين بحجة انهم يرون ان الاخيرتان دول سلطوية و غير ديموقراطية مما ادى الى بحثهم عن تكتلات و حلفاء يتوافقون مع سياساتهم.
اولاً : مميزات و نقاط القوة لتحالف بريكس
يتمتع التكتل بالعديد من المميزات من ضمنها و ربما اكبرها هي الرقعة الارضية التي تنتشر فيها اراضي الدول الاعضاء، حيث يمتد التكتل بأعضائه الخمسة في اربعة قارات يغطون ٣٩.٧ مليون متر مربع اي تقريبا ٢٧% من مساحة العالم مما يجعل التكتل يتحلى بالكثير من الموارد المتنوعة خاصةً الموارد الباطنية و ايضا يمتلك التكتل قوة بشرية ضخمة تمثل سوق رحب حيث يمثل سكان الدول الاعضاء تقريبا ٤٠% من سكان العالم و طبعا ناهينا عن تطورهم الاقتصادي و سرعة نموه فقد وصلت مساهمة مجموعة “بريكس” في الاقتصاد العالمي إلى ٣١.٥%، بينما توقفت مساهمة مجموعة الدول الصناعية السبع عند ٣٠.٧% فكل هذه العوامل و اكثر ساهمت في جعله جهة عالمية لا يستهان بها.
ثانياً : مظاهر استياء الدول من “التجارة الدولارية” –
بالتأكيد وجود كيان مثل هذا يهدد عرش الدولار الامريكي و لكن علينا ألا ننسى ربما اكبر عامل قد يساعده الا و هو استياء العديد من دول العالم خصوصاً الدول النامية من “التجارة الدولارية” الا و هي سيطرة الدولار على عمليات التجارة العالمية مما يمنحه قوة على حساب عملاتهم المحلية حيث تطور الامر لتصريح قادة بعض الدول علناً بهذا الاستياء و ربما اكبر الأمثلة الحية لهذه التصريحات جائت من الرئيس البرازيلي “لويس ايناسيو” حيث اعرب انه يرى انه لا يرى اي منطق في اجراء الدول لتجارتها بدعم من الدولار بدلا من ان تقوم بها بدعم من عملاتها المحلية، الى جانب تصريح رئيس وزراء ماليزيا “انور ابراهيم” انه يرى انه ليس هناك سبب يجعل ماليزيا تستمر في الاعتماد على الدولار و تابع بقوله ان دولته في مفاوضاتهم مع جارتهم اندونيسيا يثيرون مسألة استخدام عملتي البلدين في التبادل التجاري، الى جانب زيادة الدعوة للتخلي عن الدولار من روسيا عقب اندلاع الحرب الروسية-الاوكرانية بسبب استخدامه كاداة عقابية على روسيا و قد اعرب الرئيس الروسي بوتين عن النية لأنشاء عملة مشتركة تعتمد على سلة من عملات دول المجموعة.. فبالتأكيد مثل هذه التصريحات و التوجهات تثير قلق و اهتمام الولايات المتحدة للمستقبل الذي لم تتضح معالمه بعد.
ثالثاً : استراتيجيات تحالف “بريكس” للتوسع
قد بدأت ملامح و سياسات التوسع لمجموعة “بريكس” عقب تداعيات و عواقب فيروس كوفيد-١٩ على العالم حيث ادى تدهور الاحوال الاقتصادي للعديد من البلدان لمناقشة الدول الاعضاء مسألة التوسع، ربما اول معالم ذلك التوسع هو فتح باب الانضمام لبنك التنمية الجديد الا و هو البنك الخاص بتحالف “بريكس” و الذي تصل ميزانيته حسب اخر المؤشرات الى مائة مليار دولار تحت ادارة الدول الاعضاء للخمسة و الذي يعمل على دعم المشاريع العامة او الخاصة من خلال الضمانات و القروض و المشاركة في رأس المال، و شهد عام ٢٠٢١ انضمام دول مثل بنغلاديش و الاوروجواي و الامارات و في مارس ٢٠٢٣ انضمت مصر رسميا الى بنك التنمية الجديد بموجب قرار جمهوري، و يتم الترويج لبنك التنمية ككيان يتمتع بالاستقلالية و غياب المشروطية التي اضر من خلالها صندوق النقد الدولي و البنك الدولي بالعديد من الدول خصوصاً الدول النامية، فمثل هذه السبل تجذب العديد من البلدان للانحياز نحوه و التخلي عن الكيانات التي تدار بتوجهات غربية، و مع انعقاد قمة “بريكس” في اغسطس القادم بجنوب افريقيا الذي قد يناقش مسألة العملة البديلة مع مناقشة قضية الدول المرشحة للأنضمام للمجموعة حيث اعلن المندوب الجنوب افريقي عن تلقي المجموعة طلبات رسمية للأنصمام للمجموعة من قبل ٢٢ دولة و مع تأكييد المجموعة على انفتاحها على التوسع بيبدو ان “بريكس” على الطريق الصحيح لتحقيق على الأقل بعضاً من اهدافه.
الخلاصة، “بريكس” هو تحالف اقتصادي يمثل تحدي كبير للسيطرة الاقتصادية و النقدية للولايات المتحدة و الدولار، و لكن تلك القضية تظل بمثابة الضباب في الوقت الحالي حيث ان الدولار يملك حصة كبيرة من احطياطيات دول العالم من النقد الاجنبي متمثلاً في ١٣ تريلون دولار اي ٥٨.٣٥% من اجمالي احتياطيات الدول من النقد الاجنبي الى جانب وجود نظام “البترودولار” الذي بموجبه تتم تجارة النفط بالدولار الى جانب العديد من السلع الاستراتيجية مثل الذهب و غيره يتم التجارة فيهم بواسطة الدولار و على الناحية الاخرى قادة التحالف لا يريدون اخذ قرارات متهورة و متسرعة فكل هذه العوامل تضعنا امام حرب اقتصادية طولية الامد حيث يتوقع خبراء مجموعة “جولدمان ساكس البنكية” ان التكتل سيكون من اقوى و انجح التكتلات و لربما يكون ند قوي للدولار بحلول عام ٢٠٥٠، فيبقى في النهاية السؤال، هل تستطيع الدول الاعضاء تشكيل استراتيجية طويلة المدى لقهر هيمنة الدولار و بدأ حقبة اقتصادية عالمية جديدة ام يكون مجرد امل زائف؟

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى