تحتفل الأمتين العربية و الإسلامية فى مشارق الأرض ومغاربها بذكرى ميلاد المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه والتى كانت بداية جديدة للتاريخ الإنسانى بمولد المصطفى برسالته العالمية حيث قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } و الاحتفال بمولد الرسول الكريم لابد وان يكون بإحياء سنته وتعظيم سيرته ليس فى يوم فقط بل على مدار الأيام كلها ، ولابد من إحياء سنة النبى صلى الله عليه وسلم الداعى للعمل و الداعى للحفاظ على العامل ولابد أن نجدد دعوته عليه السلام بإتقان العمل ، فالنبى صلى عليه الصلاة والسلام حدد ما يجب أن يكون عليه العامل وما يجب أن يكون عليه صاحب العمل ، والسنة والسيرة النبوية تحتويان على الكثير من الأحاديث التى تحُث على العمل وإعلاء قيمته منها قوله { لأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَأْتِيَ بحُزْمَةِ الْحَطَبِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا فَيَكُفَّ اللَّهُ بهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أَعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ } وهذا الحديث الشريف يُعد درساً هاماً نحتاجه اليوم لما فيه من الحث على العمل وعدم الكبر فيه لأنه فى قبول المتاح من الأعمال التزاماً بهديه صلى الله عليه وسلم وعدم سؤال الناس ، وقوله { ما أكل العبد طعاماً أحب إلى الله من كدِّ يَدِهِ ومن بات كالاً من عمله بات مغفوراً له } وهذا الحديث من الصادق الذى لا ينطق عن الهوى يوضح قيمة العمل وكيف أن الإنسان الساعى على رزقه والمجد المجتهد فى عمله الذى أتعبه وأجهده العمل فإن رسولنا الكريم يبشره بالمغفرة ، وقوله صلى الله عليه وسلم { إن قامت الساعة و فى يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها } وهذا يدل على قدسية العمل ومكانته وكيف ان العمل لا يجب أن يتوقف الا بتوقف الحياة ، و قد هدانا رسولنا الكريم الى افضل السُبل التى فيها النجاح والفلاح محفزاً على إتقان العمل وتجويده وخروجه بأحسن الصور فقال { إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ } وهذا الحديث. مُوَجّه من خير البشر صلى الله عليه وسلم إلى جميع المسلمين ذكوراً كانوا أو أناثاً، صغاراً كانوا أم كباراً، ولكافة العاملين فى جميع المجالات وعلى كل المستويات والحديث هنا يحث على إتقان العمل باستخدام أسلوب التحفيز من خلال ربط الإتقان بالإيمان والثواب من عند الله سبحانه وتعالى .
وقد حدد النبى الكريم ضوابط حق العامل والأجير بما جاء فى القرآن الكريم والسنة المطهرة حيث يقول الله تعالى في أول سورة المائدة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، وقد ذكر المفسرون أن هذه الأية أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بالوفاء بالعقود والعهود ، وذلك بإكمالها وإتمامها ، وعدم نقضها أو نقصها. ويشمل كافة العقود التى بين العبد وربه ، والتى بينه وبين الرسول باتباعه و طاعه أوامره والتى بينه وبين الناس مثل عقود المعاملات ، كالبيع والإجارة ، ولقد أعز ديننا الحنيف الخدم والعمَّال ورعاهم وكرَّمهم، واعترف بحقوقهم لأول مرة فى التاريخ الإنسانى قاصداً بذلك إقامة العدالة الاجتماعية، وتوفير الحياة الكريمة لهم ، و قد ألزم كذلك صاحب العمل أن يعطى للعامل والخادم أجره المكافئ لجُهده دون ظلم أو مماطلة، فقال رسول الله { أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ”} وفى هذا إرضاء للعامل من الناحية النفسية والمادية، فإعطائه حقه يُشعره بالعناية والاهتمام لشدة حاجته للمال وقبل أن يجف عرقه يُشعره بالأمان الوظيفى المنشود ، وهذا تقرير ايضاً وحث نبوى على انه ليس لأصحاب الأعمال أن يستولوا على حقوق العمال فحقهم فى الأجر المكافئ لجهدهم حق مقدس ، وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم بالتخفيف عن الخادم أو العامل فقال { ما خففت عن خادمك من عمله كان لك أجراً فى موازينك}
و قد دعا النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحاب الأعمال إلى معاملة العمال معاملة إنسانية كريمة ، وإلى الشفقة عليهم، والبر بهم و عدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال، بل أنه صلى الله عليه وسلم جعل العامل والخادم بمنزلة الأخ وهذه أعلى حقوق الإنسان والتى لم تكن فى أى حضارة من الحضارات فقال ـ { إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم}.
وعلى العمال أن يجتهدوا فى اعمالهم ويقدموا مصالح الوطن على مصالحهم وليست هذه دعوة للإنتقاص من حقوقهم بل من الواجب سن التشريعات التى تحمى حقوقهم الإجتماعية والصحية وعلى العمال أيضاً أن يعلموا حقيقة دورهم فى إعمار هذه الدنيا بزيادة الإنتاج، والعمل بصدق حتى أخر لحظة فى الحياة ، استناداً لقوله صلى الله عليه وسلم{ وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها } تأكيداً لإستمرار العمل ما دامت الحياة .
ونحن نحتفل بمولد المصطفى علينا ان نحافظ على الوطن الغالى ونفتديه ونقدم ما يعمل على رفعته واعلاء شأنه بين الأمم ونحن نرى نهضة تنموية غير مسبوقة فى كل نواحى حياتنا ، بُنيت بأيدى عمالنا الأقوياء الشرفاء ونحن نرى تكريم القيادة لهم فى كل موقع من المواقع .
اترك تعليقك ...