أصل حكاية «البيمارستان القلاووني» ولؤلؤة المعز
بقلم/ ياسمين عبده
هنتعرف على سبب بناء لؤلؤة شارع المعز «البيمارستان» أو «المارستان» وهي كلمة فارسية وتعني دار المرضى.
وعن سبب إنشاء البيمارستان، أن الملك المنصور قلاوون عندما كان أميرًا أثناء سلطنة الظاهر بيبرس توجه لغزو الروم سنة 675 هـ/ 1276م فأصابه بدمشق مرض خطير فعالجه الأطباء بأدوية أخذت من بيمارستان نور الدين محمود فشفي وذهب ثم شاهد البيمارستان فأعجب به ونذر إن أتاه الله الملك أن يبني بيمارستانًا فلما أصبح سلطانًا وفى بنذره.
وهناك رواية أخرى تقول أن السلطان المملوكي المنصور “سيف الدين قلاوون الألفي” قد نذر لله أنه إن تسلطن وأنجده الله من مصيبة وقع فيها قبل السلطنة أن يبني في موضع سجن كان قد سُجن فيه واحداً من أعظم المستشفيات في تاريخ الإسلام.
ومهما يكن من السبب، فقد بَرَّ قلاوون بقسَمه، وبقي هذا المستشفى شاهداً على التقدم الكبير في ميدان الطب والعلاج في القاهرة المملوكية لعدة قرون تالية. وتم بناء البيمارستان في 11 شهراً فقط، وقد أشرف على البناء الأمير والوزير النشيط “علم الدين سنجر الشجاعي”، الذي سخَّر لها كل الإمكانات والعُمال المتاحين في مصر وقتها. وتم إختيار الموضع المحدد في قلب القاهرة الفاطمية، وبالتحديد الدار القطبية، وهي أحد المباني الكبيرة التي خُصِّصت لسُكنى بعض الأفراد من الأسرة الأيوبية زمن دولتهم في مصر، وكانت قبل ذلك دار الأميرة الفاطمية “ست الملك”، أخت الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله. وبعد التفاوض مع المالكة “مؤنسة خاتون الأيوبية”، تم إعطاؤها الثمن المطلوب، وتعويضها بدار أنيقة هي قصر الزمرد بالقرب من رحبة باب العيد في شمال القاهرة، ثم بدأوا في الهدم ومن ثم البناء الذي لا يزال باقياً حتى يومنا هذا في شارع المعز بالقاهرة ضمن مجموعة السلطان قلاوون، لتصبح الآن مستشفى رمد قلاوون
وكان البيمارستان عبارة عن مجمع طبي متكامل يوجد به جميع التخصصات الطبية والنفسية وصيدلية بها كل العقاقير، وقبة مخصصة لحفظ القرآن الكريم، ومدرسة لتعليم العلوم الشرعية، وسبيل ماء للمارين، بالإضافة إلى المنشآت الأخرى الإدارية والخدمية من مطابخ وحمامات وغير ذلك.
وتم كل ذلك من أموال السلطان قلاوون الخاصة وليس من ميزانية الدولة، وبعد الانتهاء من هذا البناء الضخم في صيف عام 683هـ/1284م، كان لا بد من وجود المال الكافي لتمويل المشروعات الطبية والعلاجية والتعليمية، ولم يكن أمام السلطان قلاوون لاستمرار عمل هذه المؤسسة إلا الأوقاف، وهي كلمة السر في نهضة المؤسسات العلمية والطبية والتجارية والاجتماعية في تاريخ الدولة والحضارة الإسلامية. ولهذا أوقف السلطان قلاوون أشياء كثيرة من أملاكه وأراضيه في بلاد الشام ومصر وجعل ريعها حصراً لهذه المؤسسة الصحية والتعليمية، بعضها حوانيت ووكالات وخانات كبيرة وفنادق وأراضي وكثير من القرى الزراعية والبساتين.
وقد عمل بالبيمارستان أطباء منهم ابن الأكفاني السراج وعبد الوهاب الساوى وزين الدين عبد المعطي كبير جراحي البيمارستان
كما كان نائب السلطان وقائد الجيش المملوكي “أتابك العسكر”، وهو الرجل الثاني في الدولة، من جملة مهامه الموكلة إليه “النظر على البيمارستان القلاووني” أي الإشراف على هذا الصرح الضخم ومتابعته ومراقبته لأهمية البيمارستان عند قلاوون.
وقد درَّت هذه الوظيفة على صاحبها أموالاً هائلة كل عام، ولذلك كان التنافس كبيراً بين الأمراء المماليك الكبار لأخذ هذه الوظيفة
وأهتم السلطان والدولة المملوكية بأدق التفاصيل المتعلقة بالمارستان، ومن ذلك ضرورة صرف مروحة من الخوص ليستخدمها المرضى في الصيف، وكذلك الحرص على أن يكون هناك ما يغطى به طعام المرضى لمنع تلوثه، وأن يتناول كل مريض طعامه بدون مشاركة مريض أخر للوقاية، والاهتمام بصرف الفواكه، وأن تكون أغطية المرضى من القطن، وكان يعطى لكل مريض حين خروجه من المارستان خمس قطع من الذهب حتى لا يلجأ إلى العمل الشاق.
وبمقارنة البيمارستان القلاووني بما أنشئ في بلاد الشام والعراق والمغرب والأندلس نجد أن البيمارستان القلاووني كان الأكبر والأضخم عالمياً.