أصل حكاية «قصر عائشة فهمي»
بقلم / ياسمين عبده
قضية خيانة تحولت إلى صراع بين عادات الشرق والغرب.. وكيف تحولت القصة إلى أول فيلم مصري ناطق.
مؤسس القصر هو “علي بك فهمي” واحد من أغنى أغنياء عصره، وتفنّن في تشييد القصر وتأثيثه، حتى إنه جلب حجرة النوم الخاصة بملك الصرب وتحفاً أخرى متعددة من حول العالم، ليقضي فيه أجمل أوقاته مع زوجته الفرنسية، التي قتلته بعد أشهر من الزواج.
ويعتبر القصر الذي يقع على شاطئ النيل بالقرب من حي الزمالك، من أجمل قصور القاهرة.
وشيده على الطراز الأوروبي أشهر المعماريين الإيطاليين، أنطونيو لاشاك، في أواخر القرن الـ19 وحتى ثلاثينيات القرن الـ20.
ورث علي ثروة والده فهمي باشا، قائد جيش الملك فؤاد الأول، وتبلغ 11750 فداناً من أجود الأراضي الزراعية
أنجب “فهمي باشا” من زوجته منيرة هانم، أربع فتيات هن “فاطمة وعائشه وعزيزة وزينب” وولداً واحداً هو علي، ولأنه الذكر الوحيد تمتع بثراء واسع، حتى لقبه البعض بالبرنس.
تزوج علي فهمي من الفرنسية “مارغريت ميللر”.
سافرا إلى بريطانيا ونشب بينهما شجار بعد أن شاهد خيانتها وواجهها بذلك.
فقدت مارغريت صوابها وأطلقت عليه ثلاث رصاصات ليسقط قتيلاً.
تحولت قضية “علي بك فهمي” إلى قضية شهيرة تداولها الناس في الشرق والغرب.
في عام 1923، ترافع عن مارجريت أشهر محامي انجليزي، وهو السير “مارشال مول”
قدم المحامي أدلة على عنف الزوج، وأن موكلته فعلت ذلك دفاعاً عن نفسها أمام زوج “شرقي متخلف” ليتحول الأمر من شجار بين زوجين إلى صراع بين عادات الشرق والغرب، فيحصل لها على البراءة بعد أيام من المداولات في المحكمة.
بعد ذلك جاءت ميللر إلى مصر لتطالب بنصيبها في تركة زوجها الذي قتلته بيديها، مدّعية أنها حامل من البرنس، وحاولت الحصول على شهادة ميلاد مزوّرة لطفل زعمت أنه مات بعد أسابيع من ولادته، لكن مكيدتها انكشفت وتصدى لها الورثة.
وبعد دعاوى قضائية متبادلة، حكمت محكمة الاستئناف المختلطة بعـدم أحقيتها في التركة، ولا في مؤخر الصداق، لأن القاعدة الشرعية القانونية في مصر تقول بأن القاتل ليس له حق في إرث المقتول.
تم تقسيم تركة “علي بك فهمي” على الورثة، ليكون القصر من نصيب شقيقته عائشة بعد أن أشترت نصيب شقيقتها عزيزة بعقد رسمي، وبذلك أصبح القصر بإسم «عائشة فهمي».
تزوجت عائشة ثلاث مرات ولم تنجب.
كان زواجها الأول من أحمد سعيد، طبيب أمراض النساء والتوليد.
وتزوجت بعده من الممثل والمخرج”يوسف بك وهبي” وكانت تكبره بـ16 عامًا.
استوحى يوسف وهبي فكرة فيلمه “أولاد الذوات” من حادثة شقيقها المقتول، ليكون هذا الفيلم هو أول فيلم ناطق في مصر، تم إنتاجه عام 1932 وحقق نجاحاً هائلاً لدى عرضه نظراً إلى اهتمام الناس بالقضية التي كانت مطروحة على الساحة آنذاك.
كان زواجهما ناجحًا لعدة سنوات حتى تغلبت عليهما الغيرة، وحاولت عائشة فهمي إغرائه بالعودة وذلك من خلال عرض المال والأرض عليه، لكنه رفض وطلقها ثم لاحقته في المحاكم.
تزوجت عائشة مرة ثالثة من أحمد فتحي، عضو مجلس الشعب في ذلك الوقت، وكان لعائشة فهمي نشاط واسـع في العمل الاجتماعي، وكانت عضوة في جمعية الهلال الأحمر، ولها مشاركات في مجالات مختلفة، كما كانت تربطها صلة قوية بهدى شعراوي، خصوصاً أن محمد شعراوي كان متزوجاً منيرة، ابنة شقيقتها فاطمة فهمي.
توفت عائشة فهمي عام 1962، وآلت ملكية القصر إلى شقيقتيها فاطمة وعزيزة.
عام 1964، صدر قرار نزع ملكية القصر لتحويله إلى فندق تابع للمؤسسة المصرية العامة للفنادق إيجوث، وتم جرد محتوياته بمعرفة الضرائب، واستلم كل من عبد الحليم عاصم وعزيزة فهمي باعتبارهما حارسين على التركة، بعض الأثاث. وعام 1974، حُدد القرار الجمهوري 164 بشأن نزع ملكية القصر بوصفه من المنفعة العامة وتحويله إلى متحف لعرض مجوهرات أسرة محمد علي.
منح السادات القصر إلى ثروت أباظة ليتخذه مقرّاً لرابطة الأدباء. وعام 1971، تحوّل إلى مخزن لوزارة الإعلام، ولما رأى ورثة القصر البالغ عددهم 49 شخصاً أن الدولة لم تستخدم القصر للأغراض التي نص عليها قرار نزع الملكية، أقاموا دعوى لاسترداده لكن لم يُوفّقوا.
ظل القصر بحوزة وزارة الثقافة وتحوّل إلى مجمع للفنون حتى الآن.