يوم التأسيس السعودي.. ذكرى شاهدة على العراقة والمجد والوفاء للقادة المؤسسين
كتب / رأفت حسونة
حين يأتي الحديث عن المملكة العربية السعودية يقف التاريخ بصفحاته شاهد عيان على منعطفات هامة، وعراقة وأمجاد متأصلة، كان حجر أساسها وركيزتها إقامة الدولة السعودية الأولى عام 1727م على يد الإمام محمد بن سعود – طيب الله ثراه – والذي جاء تخليد ذكراها عبر صدور قرار سامي حكيم باعتماد اليوم الثاني والعشرين من كل عام ذكرى لتأسيس الدولة السعودية باسم “يوم التأسيس”.
في هذا اليوم الخالد تحتفي المملكة سنويًا، بذكرى إرساء اللبنة الأولى في قواعد الدولة وذلك قبيل نحو ثلاثمائة عام تقريبا، ليصبح يومًا للوفاء والولاء للقادة المؤسسين، والاعتزاز بإنجازات الملوك أبناء الملك عبد العزيز في إذكاء روح البناء والوحدة.
نواة التأسيس بـ “الدريعة”
يزخر تاريخ مدينة الدرعية في شبه الجزيرة العربية بملاحم بطولية، وماضٍ تليد ضارب بجذوره في عمق التاريخ، ومنها انطلقت نواة تأسيس الدولة السعودية.
تأسست الدرعية على ضفاف وادي حنيفة عام 850هـ / 1446م، حينما قدِم مانع المريدي جد الأسرة الحاكمة إلى المنطقة، واضعًا اللبنة الأولى لتأسيس الدولة، لتصبح هذه المدينة نقطة عبور مهمة لقوافل الحج والتجارة، ومركزًا مهمًا للاستقرار، وفي تلك الفترة لم تكن الأحوال السياسية جيدة في شبه الجزيرة العربية، فقد كانت تعاني الإهمال والتفكك والتناحر وانتشار الجهل والأمية.
الدولة السعودية الأولى 1727م
في عام 1139هـ/ 1727م، تولّى إمارة الدرعية الإمام محمد بن سعود الذي كان يملك حسًا إداريًا جيدًا، ونظرة مستقبلية ثاقبة، فعمل على البدء بالتغيير، معلنًا قيام الدولة السعودية الأولى، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ شبه الجزيرة العربية بأسرها، حيث وضع لبنة الوحدة العظيمة التي وحدت معظم أجزائها، وأضحت مصدر فخر واعتزاز لكل العرب والمسلمين، ونتيجة لكل ذلك فقد أصبحت مدينة الدرعية عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي.
وازدهرت التجارة بشكل كبير، ليكون سوق الدرعية أعظم الأسواق في المنطقة، إضافة إلى أن النظام المالي للدولة من أعظم النظم التي عرفتها شبه الجزيرة العربية، وقد هاجر في ذلك الوقت كثير من العلماء إلى الدرعية للتعليم والـتأليف؛ مما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في الخط والنسخ.
الدولة السعودية الثانية 1824م
اهتمت الدولة السعودية بالدرعية، وجعلتها مركزًا لمحاربة الجهل والأمية مما أثار حنق الدولة العثمانية التي سخرت طاقاتها لإسقاط الدولة السعودية، وبعد حروب متواصلة استمرت نحو 7 سنوات، سقطت الدرعية عام 1233هـ 1818م، بعد حملة دمار وتخريب واسعة، لتفكيك الوحدة المتأصلة في نفوس أهلها ومعظم قرى نجد والمناطق المجاورة لهما.
وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى، استطاع الإمام تركي بن عبد الله بعد نشاط متواصل استمر 7 سنوات أن يطرد الحاميات العثمانية من نجد ويحررها ويدخل الرياض عام 1240هـ 1824م، ليثبت أن حملات الدولة العثمانية المتكررة على نجد لم تؤتِ أكلها، واضعًا لبنة جديدة راسخة من لبنات البقاء والثبات.
واستطاع الإمام تركي بن عبد الله إعادة توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قياسية، ضاربًا بذلك أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام، واستمرت الدولة السعودية الثانية على الأسس ذاتها التي قامت عليها الدولة السعودية الأولى، مركزة على حفظ الأمن، والتعليم، والعدل، والقضاء على الفرقة والتناحر، والانفتاح السياسي على العالم، حيث أثبت قادتها المقدرة الفائقة على التواصل مع العديد من الدول وإقامة علاقات جيدة معها، وظلت الدولة السعودية الثانية تحكم المنطقة حتى عام 1309هــ 1891م.
الدولة السعودية الثالثة 1902م
وبعد فراغ سياسي استمر حوالي 10 سنوات، تمكن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود في الخامس من شهر شوال 1319هـ- 1902م، من استرداد الرياض والعودة بأسرته إليها، ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، شكلت نقطة تحول كبيرة في تاريخ المنطقة أدّى إلى قيام دولة سعودية حديثة، تمكنت من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية وتحقيق منجزات حضارية واسعة في كل المجالات.
وفي السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، أعلن الملك عبدالعزيز – رحمه الله – توحيد البلاد تحت مسمى المملكة العربية السعودية، وتوحيد رؤيتها تحت راية الإسلام وشهادة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وذلك بعد ملحمة تاريخية استمرت نحو 30 عامًا، واستمر أبناؤه الملوك من بعده على نهجه في تعزيز لبنات البناء والاستقرار والتنمية وصولاً إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين، الأمير محمد بن سلمان –حفظهما الله، لتتبوأ المملكة مكانة إقليمية ودولية كبيرة، وتحظى بثقة عالمية متينة، وتشهد إنجازات في مختلف المجالات.