متابعة وتصوير- جورج ماهر – تونس
قدمت فرقة مسرح الطليعة بالبيت الفني للمسرح عرضها المسرحي “لعبة النهاية” ضمن فعاليات الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية، وذلك اول امس الاثنين 25 نوفمبر 2024 بقاعة سينما مسرح الريو بتونس العاصمة.
مسرحية لعبة النهاية هي عبارة عن عرض عبثي ، أخرجه السعيد قابيل، لاحياء عرض سبق تقديمه من 60 عامًا، حيث أخرجه أول مرة المخرج الراحل سعد أردش لصالح نفس الفرقة.
تتناول المسرحية، من تأليف صامويل بيكيت، أربع شخصيات رئيسية: هام، السيد المقعد العاجز، وكلوف، خادمه المطيع، إلى جانب والدي هام، ناغ ونيل، اللذين يعيشان في صناديق قمامة. تدور أحداث المسرحية في أجواء عبثية متكررة بلا حبكة تقليدية، حيث يعكس النص عبثية الوجود الإنساني بواسطة الزمن الدائري، الذي لا يتقدم إلى الأمام، وغياب الخلاص.
المشاهد أشبه بمقاطع من الحياة اليومية، تغلب عليها الرتابة والأفعال الروتينية، ما يُبرز العجز الجسدي والعقلي والروحي للشخصيات. الموت كفكرة مركزية طغى على جميع عناصر العرض، حيث تستعرض الشخصيات انتظارها النهاية دون أمل، داخل مساحة مغلقة أشبه بالقبر. هذا العالم المغلق يتحدى المشاهد بأسئلة وجودية: ما جدوى الحياة؟ هل يمكن إيجاد معنى وَسَط هذا العبث الذي نعيشه الأن ؟
الجدير بالذكر أن العرض جاء بتفاعل لافت من الجمهور، حيث تمازجت لحظات الصمت والتأمل مع الضحكات الحذرة الناتجة عن المفارقات السوداوية في النص. المتابعون، الذين غصّت بهم القاعة، بدوا مندمجين مع الأداء التمثيلي البارع، الذي أجاد التعبير عن الألم الإنساني والانفصال عن المعنى. كانت ردود أفعالهم تتراوح بين انبهار حذر وتأمل عميق، مما يظهر نجاح المخرج في استحضار روح النص العبثي وتقديمه برؤية عصرية قادرة على استقطاب جمهور متنوع.
أيضا أبدع المخرج السعيد قابيل في استخدام الفضاء المسرحي، حيث جاء تصميم الديكور محكمًا، يوحي بالعزلة والانغلاق. كما اتسم أداء الممثلين بالتركيز الشديد والقدرة على استحضار تفاصيل الألم الإنساني والتردد بين الأمل واليأس. اعتمد العرض على الإضاءة والمؤثرات الصوتية لتكثيف الشعور بالعبث والعزلة، مما ساهم في إبراز الجو العام للمسرحية.
يذكر أن “لعبة النهاية” ليست مجرد عرض مسرحي فقط ، بل هي عبارة عن رحلة فلسفية ونفسية تجعل المشاهد في مواجهة مباشرة مع قلقه الوجودي وأسئلته العميقة حول الزمن، الفناء، والهدف من الحياة. حيث قدم العرض تجربة متكاملة امتزجت فيها الدراما السوداء بالإنسانية، تاركاً أثراً عميقاً في نفوس الحاضرين، الذين خرجوا بتأملات جديدة حول علاقتهم بالزمن والمعنى في حياتهم.