دراسة تبرز دور بريكس في تأسيس نظام إقتصادي عالمي أكثر عدالة وإنصافا
يقدمها /عادل الأزرق
في دراسة بعنوان “بريكس.. نحو نظام اقتصادي عالمي أكثر عدالة وانصافا”، قدمها عماد الأزرق رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث، لمجلة الصين اليوم، تناولت الرؤية الفلسفية الصينية لتجمع بريكس، وأهداف التجمع، وأهميته للدول الأعضاء، وأهم التحديات الآنية والمستقبلية التي تواجهه، وسبل تعزيز قدرة وقوة دفع بريكس، ودوره في تطوير النظام الدولي، والتكامل بين بريكس والمبادرات الصينية المختلفة.
وأوضحت الدراسة أن تجمع بريكس يستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف سواء على المستوى الأحادي أو المتعدد أو حتى على المستوى الدولي، من بينها..
خلق نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر مرونة وتوازنا يقوم على الانفتاح والتعاون المشترك وتبادل المنافع بما يحقق العدالة والانصاف.
تحقيق نمو اقتصادي شامل بهدف القضاء على الفقر ومعالجة البطالة وتعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي.
توحيد الجهود لضمان تحسين نوعية النمو عن طريق تشجيع التنمية الاقتصادية المبتكرة القائمة على التكنولوجيا المتقدمة وتنمية المهارات.
زيادة المشاركة والتعاون مع البلدان غير الأعضاء في مجموعة بريكس.
تعزيز الأمن والسلام من أجل نمو اقتصادي واستقرار سياسي.
الالتزام بإصلاح المؤسسات المالية الدولية، حتى يكون للاقتصادات الناشئة والنامية صوت أكبر من أجل تمثيل أفضل لها داخل المؤسسات المالية.
العمل مع المجتمع الدولي للحفاظ على استقرار النظم التجارية متعددة الأطراف وتحسين التجارة الدولية وبيئة الاستثمار.
تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية المتعلقة بالتنمية المستدامة، وكذا الاتفاقات البيئية متعددة الأطراف.
التنسيق والتعاون بين دول المجموعة في مجال ترشيد استخدام الطاقة من أجل مكافحة التغيرات المناخية.
تقديم المساعدة الإنسانية والحد من مخاطر الكوارث الطبيعية، وهذا يشمل معالجة قضايا مثل الأمن الغذائي العالمي.
التعاون بين دول بريكس في العلوم والتعليم والمشاركة في البحوث الأساسية والتطور التكنولوجي المتقدم.
وأكدت الدراسة التي قام بها عماد الأزرق رئيس مركز التحرير للدراسات والبحوث أن تجمع بريكس يشكل أهمية كبيرة لأعضائه وهو ما يفسر الاقبال الكبير من جانب الكثير من الدول النامية للانضمام إليه والحصول على عضويته والاستفادة مما يوفره من فرص كبيرة تعود بالنفع على الدول الأعضاء به، ومن بين ذلك:
أن بنك التنمية الجديد التابع لتجمع بريكس، والذي يبلغ رأس المال المبدئي المصرح به للبنك 100 مليار دولار أمريكي، يلعب دورا بالغ الأهمية في توفير مصادر التمويل للمشروعات التنموية والاقتصادية المختلفة وذلك من خلال تسهيل حصول الدول الأعضاء على المنح والقروض الميسرة بفوائد مخفضة من بنك التنمية التابع للتكتل، بما يساعد في الهروب من حصار صندوق النقد الدولي واشتراطاته القاسية.، ويمكنه أن يلعب دورا مهما باعتباره محركا للنمو المستدام في العالم النامي والاقتصادات الناشئة، ويعزز كذلك الإصلاح في المؤسسات المالية المتعددة الأطراف الموجودة، وهذه التغيرات بما يعود بالنفع على العالم المتقدم والنامي على حد سواء.
الاستفادة من اتجاه بريكس للتعامل بالعملات المحلية أو بعملات غير الدولار الأمريكي، لأن إحدى المبادرات التي تشارك فيها بريكس حاليًا هي تحويل التجارة إلى عملات بديلة، سواء كانت وطنية أو إنشاء عملة مشتركة، وذلك هذا في اطار اتجاه مجموعة “بريكس” إلى توسيع المدفوعات غير المرتبطة بالدولار، حيث تسعى دول المجموعة للابتعاد عن منظومة المراسلات المصرفية “سويفت”، التي تسيطر عليها الولايات المتحدة، والتعامل بالعملات المحلية، مشيرا إلى أن هذا التوجه من شأنه أيضا أن يساهم في تخفيق حدة أزمة الدولار الذي تعاني منها بعض الدول وانخفاض قيمة العملة الوطنية فيها، مما يؤدي إلى تقليل الطلب على الدولار، كما يخلق توازنا سياسيًا واقتصاديًا في العلاقات بين التجمعات الاقتصادية الشرقية والغربية.
سياسة تفضيلية للدول الأعضاء بالتجمع خاصة مع وجود مصادر تمويل قوية وتوافر وفورات مالية ضخمة، وتقديم التسهيلات المختلفة، فضلا عن التعاون التكنولوجي وامتلاك الصناعات المتقدمة، الأمر الذي ينتج عنه توليد رغبة قوية للاستثمار في اطار تبادل المنافع والفوز المشترك، لا سيما في المشروعات المستقبلية مثل مشروعات الرقمنة والتنمية الزراعية والاستثمارات البيئية والبنية التحتية من كبار المستثمرين العالميين ورواد رجال الأعمال في دول بريكس.
زيادة عدد السياح المتبادل بين الدول الأعضاء، والتعاون المشترك في فتح خطوط جديدة للطيران بين المدن المختلفة لتلبية الطلب المتزايد على حركة السياحة والسفر، والاستثمار في المجال السياحي والفندقي لإتاحة عدد غرف فندقية يتناسب مع تزايد الطلب السياحي، وتعزيز التفاهم والتقارب الإنساني والشعبي بين دول بريكس ما يساعد على زيادة الاقبال على الأسواق السياحية المتنوعة فيها.
وأبرزت الدراسات التحديات التي تواجه دول تجمع بريكس سواء في الوقت الحاضر أو المستقبلية في العديد من الاتجاهات سواء على المستوى الأحادي أو المتعدد نتيجة التفاعلات الدولية المختلفة أو حتى نتيجة الأوضاع الداخلية والمستويات التنموية فيها، حيث أكدت أن من أهم التحديات التي تواجهها دول التجمع الظروف الدولية غير المواتية التي تعرض لها المجتمع الدولي ونظامه خلال السنوات الأخيرة ومن أبرز هذه التحديات الاضطرابات السياسية والأمنية العالمية ومن بينها الأزمة الأوكرانية، الأوضاع غير المستقرة في اليمن والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتأثيراتها وتهديد حركة الملاحة والتجارة العالمية في البحر الأحمر، وأيضا الركود التجاء وتباطؤ معدلات النمو العالمية، وتفشي وباء “كوفيد – 19” وتأثيراته السلبية الاقتصادية والتكنولوجية والتنموية والصحية، وغيرها.
وكذلك التباينات بين الدول الأعضاء بالتجمع، فهناك تباينات اقتصادية، وثقافية، وسياسية تفرض على الدول تجاوز هذه التباينات والبناء على المشترك، ففيما يتعلق بالتباينات الاقتصادية، فهناك تفاوت في حجم الاقتصادات وطبيعتها وأنماط التنمية في كل دولة، إلى غير ذلك من تباينات واختلافات.
والتحول الكبير في والمتسارع في النظام الاقتصادي والمالي العالمي وزيادة مساهمة الاقتصادات النامية والناشئة في نمو الاقتصاد العالمي إلى 80% فيما يبلغ حجم اقتصاد الدول النامية نحو 40% من حجم الاقتصاد العالمي، والسعي للاستحواذ على 50% من الاقتصاد العالمي، الأمر الذي سيضع ضغوطا على الاقتصادات الناشئة للحفاظ على قوة الدفع والسعي للحفاظ على معدلات نمو مرتفعة.
فضلا عن توسع الدول الغربية في انتهاج سياسيات الحمائية والأحادية بشكل كبير، وتعرض تعددية الأطراف والنظام التجاري المتعدد الأطراف لضربات شديدة، وتزايد الرغبة الغربية للعودة للانغلاق، وفرض الإجراءات العقابية وتقييد التجارة، وإغراق الأسواق، والسعي وراء كبح العولمة والترويج لما يسمى بالفصل الاقتصادي أو الأنظمة الموازية والتي من شأنها الاضرار بالاقتصاد العالمي ككل والاقتصادات الناشئة على وجه الخصوص، ووجود اتجاه من الدول الغربية المتقدمة لاحتكار التكنولوجيا المتقدمة، ومحاربة أي مساعي أو جهود من الدول النامية لامتلاك هذه التكنولوجيا، أو اتخاذ خطوات عملية لبناء كوادر تكنولوجيا حتى تظل متلقية للتكنولوجيا الغربية.
واستعرضت الدراسة سبل تعزيز قدرة وقوة دفع التجمع بما يمكنه من تعزيز التنمية المشتركة وتعميق شراكة بريكس على نحو شامل، ومن بين هذه الرؤى:
زيادة نقاط التقاء المصالح المشتركة لدول بريكس في التجارة والاستثمار والتبادل النقدي والمالي، والتنمية المستدامة، والابتكار والصناعات وغيرها من المجالات التي تتمحور حول الخط الرئيسي للتعاون الاقتصادي العملي، والعمل على ربط استراتيجيات التنمية للدول الأعضاء، فعلى الرغم من اختلاف دول بريكس في أحوالها، إلا أنها في مراحل تنمية متماثلة، ولديها نفس الأهداف، وتواجهها نفس التحديات والعوائق، وخطوة ربط استراتيجيات التنمية لهذه الدول من شأنه أن يظهر تفوق كل منها في الموارد الطبيعية والموارد البشرية والسوق ومصادر التمويل المتاحة والقدرات الفنية وغيرها من المجالات، الأمر الذي سيحفز إمكانات النمو ويطلق العنان للقدرة الإبداعية ويوفر فرص أكبر للتعاون المشترك للاستفادة من الإمكانات المتوفرة في كل دولة في اطار تبادل المنافع.
والحرص على تنسيق السياسات التنموية في المجالات ذات الألوية وفقا لمبدأ التشاور المشترك والبناء المشترك، والعمل على تحويل التوافق السياسي بين دول التجمع إلى أعمال ملموسة من خلال قاعدة احتياطي بالعملة الصعبة، وتسريع التعاون الاقتصادي والتنموي المشترك، وتحسين البناء المؤسسي لتجمع بريكس
وتناولت الدراسة كذلك تطور النظام الدولي، ومساعي إصلاحه، وكيف أن بروز تجمع بريكس جاء بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكدة في النظام الدولي الأحادي القطبية الذي كانت تهيمن عليه G7 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أصابه الجمود منذ انهيار حلف وارسو وتفكك الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية، جعل البعض يذهب إلى أن تجمع بريكس جاء ليحقق نوع من التوازن ويعبر عن الاقتصادات الناشئة في مواجهة الاقتصادات الصناعية الكبرى، غير أن الأمر كان أكبر من ذلك، فالتجمع لا يسعى إلى تحقيق مصالح ذاتية خاصة ولا يسعى للفوز بمكاسب أحادية وانما يستهدف في الأساس تحقيق مصالح جميع دول العالم وتحقيق ديمقراطية النظام الدولي، والأخذ بيد الدول النامية والفقيرة لتحسين أوضاعها الاقتصادية والتنموية وتحقيق الرخاء والازدهار لشعوبها في اطار من العمل الدولي الجماعي.
ولفتت إلى أن تجمع بريكس يسعى لبناء نظام دولي جديد يقوم على التعددية القطبية لضمان توفير العدالة والمساواة، وبحيث لا يميل ثقل العالم في اتجاه مجموعة محدودة من الدول تستأثر بإمكانات وقدرات وثروات العالم على حساب أغلب دول العالم التي تعاني من تبعات الفقر، لذلك فإن بريكس سعت دوما إلى ترسيخ قيم الحوكمة العالمية بهدف تحقيق العدالة والمساواة والانصاف بين جميع دول العالم.
ما يفرض على تجمع بريكس التمسك بتعددية الأطراف وحماية السلام والاستقرار في العالم، والعمل على تجنب الحرب والصراع من خلال الالتزام بتعددية الأطراف والسعي لتحقيق الانصاف والعدالة للتغلب على ما ينتج عن ممارسة الأحادية القطبية من اتباع سياسة القوة وتضخيم الخلاف والمجابهة، وانتهاك القواعد وسيادة القانون، والاستمرار في الانسحاب من المنظمات والاتفاقيات الدولية هربا من المسئولية الأخلاقية والقانونية.