قراءة في كتاب ” هنا سانت كاترين .. ملتقي العالم ” : رحلة د.عاطف عبداللطيف في وادي الأسرار .. الأرض التي كلم فيها الله موسي
حكاية سانت كاترين .. وجبل وبئرموسي .. وقبر هارون .. والشجرة المقدسة
كتب / نادر أحمد
لا تزال أرض سيناء لغزاً كبيراً عند الكثيرمن أبناء المعمورة ، ليس في مصر فقط بل علي مستوي دول العالم ، وما زال البعض يجول بخياله وسط جبالها وصحرائها ورمالها .. وفي تلك البقعة الغالية علي أرض مصر تجلي الله سبحانه وتعالي لسيدنا موسي عليه السلام ، بل وتكلم فيها الله خالق الكون مع سيدنا موسي ، ولكم تمني أبناء الأرض أن يشاهدوا بل ويقفوا في المكان الذي تحدث سيدنا موسي عليه السلام مع الإله الأوحد .. وهو النبي الوحيد بل والإنسان الوحيد الذي كلمه الله القادر .. فكم قيمة تلك الأرض الغالية ،.. وبالرغم من قيمتها الدينية والمعنوية إلا أن زوار المكان قليلي العدد بالمقارنة بأماكن دينية أخري ، وما زالت الدعوة للسياحة الدينية وزيارة سيناء وجبل الطور ودير سانت كاترين موجهة للعالم كله علي مختلف ديانتهم السماوية ، بل أن دير سانت كاترين يتميز عن جميع أديرة العالم بأنه الدير الوحيد الذي تتوسطه وتعلوه مأذنة إسلامية .
وعن ذلك قام د.عاطف عبداللطيف الخبير السياحي بسرد ما شاهده وتعايشه في صحراء سيناء وبالأخص في منطقة جنوب سيناء وذلك من خلال كتابه ” رحلتي في وادي الأسرار ” والتي يطلق عليها البعض أرض الفيروز ، وقام بكتابة هذا الكتاب الهام في المكتبة السياحية الكاتب والناقد الصحفي الكبيرطارق مرسي بقلمه الرشيق ومفرداته اللغوية حيث تمكن ببراعته أن يكتب بكل ما يجول في عقل وقلب د.عاطف عبداللطيف في مؤلف صدر في طباعة فاخرة من خلال 120 صفحة ملونة ، كما أود الإشارة إلي أن ذلك الكتاب هو الكتاب الوحيد الذي يتصدره عنوانان ، حيث أن هناك عنوان أخر وهو ” هنا سانت كاترين .. ملتقي العالم ” ، ولا يخفي أن العنوانان يحملان الكثير من المعاني ، فالعنوان الاول يقصد به أن ذلك الوادي يمتليء بالعديد من الأسرار الدنيوية والدينية ، بينما العنوان الثاني يشير إلي أهمية تلك البقعة عن مناطق وبقاع أخري في العالم .. فهوا المكان الوحيد في الكرة الأرضية الذي تجلي فيه الله سبحانه وتعالي بنوره علي الجبل فخر خاشعاً من جلالة الله وقوته .
(عالم بلا حدود )
ود.عاطف عبد اللطيف ليس رجلاً هاوياً في السياحة بل أنه من محترفي تلك المهنة التي تتطلب خبرة كبيرة وواسعة أخذ جانب منها من عائلته ، كما أن عمله في السياحة لا يتوقف عند الحدود المصرية ، فهوا أحد السائحون حول العالم ، يتجول في كل بلاد الدنيا من شرقها لغربها ، ومن شمالها لجنوبها ، ومن خلال تجواله يقدم برنامج سياحي أطلق عليه ” مسافرون ” يذاع علي قناة الحدث الفضائية ، حيث يتجول بنفسه – وبمصاحبة الكاميرا التليفزيونية – في مدن ودول عديدة ينقل أهم معالمها بأسلوب سهل ممتنع تتخللها المعلومة لتشجيع المشاهد لزيارة تلك الدول ، أو يسعد المشاهد الغير قادر علي السفر بمشاهدة دول لن يستطيع زيارتها ، كما أنه له برنامج سياحي أخر بعنوان ” عالم بلا حدود ” يذاع علي نفس القناة ويتضمن أيضاً تنقلاته في دول أخري أسواقها وفنادقها وشوارعها وشواطئها، إلي جانب أن كاميرات البرنامج تتنقل ايضأ في الأماكن السياحية داخل مصر ، سواء ما يتعلق بالأثار والتاريخ الفرعوني والروماني ، أو المرتبطة بالمعالم الدينية سواء كانت مسلمة أو مسيحية .
يروي د.عاطف عبداللطيف في كتابه بأن شئ ما جذبه لأرض سيناء خاصة بعدما إستردتها مصر كاملة في الثمانينات من القرن الماضي ، وقد كان من أوائل رجال الأعمال إهتماماً بسيناء ، فكان له السبق مع أخرون في أن يضعوا اللبنة الأولي من الفنادق الكبري وترويج السياحة خاصة لمدينة شرم الشيخ ، وما حولها من مدن دهب ونويبع وطابا وسانت كاترين والتي كانت لها أهمية خاصة ، حيث إتجه إليها في الوقت الذي إهتم الأخرون ببناء الفنادق علي شواطئ البحر الأحمر بشرم الشيخ ودهب ، وتمكن من أن يجذب السائحون ويستضيفهم في مخيمات البدو وبجوار الدير الشهير ، وكان السائح الأجنبي يعشق تلك الرحلات في المخيمات ، وإن كان صقيع سانت كاترين يصل لدرجات كبيرة تحت الصفر لدرجة أن المياه تتجمد في الزجاجات ، بل وفي تنك السيارة أو خزان البنزين أيضاً حتي أنهم يأخذون وقتاً طويلاً لتسخين ماتور السيارات . !!
( مورجن لاند )
وكشف عاطف عبداللطيف أن سيناء ومنطقة شرم الشيخ وسانت كاترين ظهرا له في المنام حيث حلم أنه يسير في أرض صحراوية تحوطها الجبال ، وفي ذلك المكان المقفر وجد بحيرة مياه عذبة وبها قطعة أرض خضراء ، فإستبشر خيراً فعمل علي تحقيق الحلم بالتوجه إلي سيناء وتنقل بين جبالها وصحاريها حتي وجد المكان الذي شهده في حلمه بمنطقة سانت كاترين ، وقام بشراء قطعة أرض صغيرة لإقامة مجتمعات للسائحين الأجانب في وقت كانت المنطقة كلها بلا مرافق وبدون أي خدمات للكهرباء أو المياه ، مما جعله يعتمد علي نفسه وإمكانياته لتوفيرها للسائح القادم من الخارج .
كانت قرية ” مورجن لاند ” هي أول قرية سياحية في منطقة وادي سانت كاترين ، والتي بدأت تجذب سائحي أوروبا خاصة من الألمان الذين كانوا أكثر السائحين حضوراً في المخيمات ، لذا عندما تم تشييد القرية أطلق عليها هذا الإسم الألماني والذي تعني باللغة العربية ” أرض الصباح ” تيمناً وتفاؤلاً بالوفود الألمانية في ذلك المكان ، والذي يميز تلك القرية بأنها تطل علي جبال سانت كاترين وديرها مما يضع لها أهمية عند السائح الأجنبي ليشاهد كل صباح سحر الشرق وشمس الحياة تتسلل علي الجبال المرتفعة . !!
( شجرة بلا جذور )
لم يتوقف عطاء د.عاطف عبداللطيف علي السياحة ، فقد إتجه للإنتاج السينمائي لكي يربطها بالعمل السياحي فأنتج ثلاث أفلام سينمائية لكي يخاطب العالم الخارجي بالدراما الفنية وأهمها ثلاثية أفلام ( وادي الأسرار – رحلة يوسف – البطارية ضعيفة ) والتي شارك فيهم بالتمثيل ، ويعتبر فيلم ” وادي الأسرار ” أحدثهم إخراج عمرو منصور وتأليف وبطولة عاطف عبداللطيف والذي إستعرض خلال ذلك الفيلم كيفية تغيير مسار إستثماراته إلي سانت كاترين ، بعدما إكتشف قيمة المكان التاريخي والحضاري ، فبها الأرض التي تجلي فيها الله سبحانه وتعالي بنوره لسيدنا موسي ، وهي الأرض التي كلم فيها الله سيدنا موسي ، وهي الأرض التي نزلت فيها الوصايا العشر، حيث نقل الفيلم تلك الأماكن التاريخية الحضارية الدينية ، والتي بها أيضاً ديرسانت كاترين والذي بداخله ” الشجرة المباركة ” التي عمرها مئات السنيين ، وهي الشجرة الوحيدة في العالم بلا جذور أرضية والتي إتجه إليها سيدنا موسي عندما رأي نوراً يبث منها فإعتقد أنها هناك شعلة نيران بالقرب منها ، وهو المكان الذي صنع فيه بني إسرائيل العجل الذهبي وعبدوه . !!
في الفصل الأول من الباب الثاني تحت عنوان ( مدينة سانت كاترين ” وادي الأسرار ” ألقي د.عاطف عبداللطيف الضوء علي أسباب تسمية سانت كاترين بهذا الإسم حيث أرجع إلي أن سبب التسمية يعود للقديسة المصرية كاترين ، مؤكداً هنا أنها مصرية الأصل وليست يونانية كما أشاع البعض قديماً ، وهي إبنة كوستاس سليل العائلات الكبيرة النبيلة بمدينة الإسكندرية ، وكانت تؤمن بالسيد المسيح لذا رفضت عبادة الأصنام في فترة حكم الإمبراطور الروماني مكسيمانوس ( 305 – 311 ميلادي ) مما جعل الإمبراطور يهددها بل ويأمر بتعذيبها لترجع عن ديانتها المسيحية ، ومع شدة إيمانها بديانتها ورفضها لأوامر الإمبراطور فقرر إعدامها بقطع رأسها .
ويقال أنه بعد عدة سنوات وقرون رأي أحد الرهبان من أبناء سيناء في منامه أن الملائكة حملوا بقايا جسد كاترين إلي قمة الجبل ، فصعد الرهبان إلي الجبل ووجدوا رفات جسد كاترين ، فقاموا بجمع رفاتها ودفنوها في نفس المكان وأطلقوا علي الجبل إسم ” سانت كاترين ” ، والتي أصبحت بمرور الأعوام مدينة ، بل وأكثر مدينة تميزاً في قلب جنوب سيناء ، فهي تقع علي أعلي هضبة في سيناء بأكملها حيث ترتفع المدينة عن مستوي البحر بأكثر من 1600 متر ، وتحيط المدينة عدة جبال شاهقة هي الأعلي إرتفاعاً في مصر هي جبل كاترين ، وجبل موسي ، وجبل الصفصافة .
( جبل موسي .. وقبر هارون )
وتشتهر مدينة سانت كاترين بأهميتها الدينية والطبيعية حيث تعتبر المنطقة محمية طبيعية ، وبها سياحة السفاري وتسلق الجبال ، كما أن بها دير سانت كاترين الشهير والذي تم بنائه بأمر من الإمبراطور جستنيان الأول علي مدي 17 عاماً في الفترة من ( 548 – 565 ) وذلك لكي يجد الرهبان مكاناً يعيشون فيه ويمارسون طقوسهم الدينية ، وجبل موسي الذي كلم منه الله سبحانه وتعالي نبيه موسي عليه السلام مما أضفي علي المكان بالقدسية والاهمية الدينية في عيون المسلمين والمسيحيين واليهود ، وهناك مقام وقبر النبي هارون – الأخ الأكبر للنبي موسي عليه السلام – والذي يقع علي مدخل المدينة ، ويوجد بالمقام ضريح ولكن بلا جثمان ، فهوا قبر رمزي ولم يدفن به هارون عليه السلام ولكنه مكان مبروك يزوره الكثير من السياحة وتم ذكر تلك الأماكن في الأجندة السياحية العالمية .
ومن الأماكن التي يحرص علي مشاهدتها كل من يزور سانت كاترين ” بئر موسي ” والذي إلتقي عنده النبي موسي عليه السلام بزوجته لأول مرة عندما طلبت منه مساعدتها في أن يملأ لها الماء من البئر ، وهي الرواية التي ذكرت في القرأن الكريم ، حيث ذكرت لوالدها شهامته فطلب أن يراه ، فعادت الفتاة إلي البئر تطلب منه لقاء أبيها ، وعندما ذهب موسي للقاء والد الفتاة طلب منه أن يعمل عنده عشرة سنوات مقابل أن يزوجه إبنته ، وهو ما حدث .
وبداخل الدير توجد شجرة ” العليقة ” المقدسة التي شاهدها النبي موسي عن بعد فإعتقد أنها ناراً مشتعلة ، فترك زوجته وأسرته من أجل أن يأخذ قبساً أو شعلة تنير المكان المظلم لأبنائه ، وعندما ذهب وجد النار ممسكة في الشجرة ولكنها لا تحترق ، وهي الرواية التي ذكرت في جميع الكتب السماوية الإسلام واليهودية والمسيحية ، لذا فهي لها مكانة خاصة عند الجميع ، وتتميز تلك الشجرة المباركة في أن أوراقها خضراء طوال العام ، وعندما حاول البعض أن يأخذ بعض جذورها وفروعها لزراعتها في أماكن أخري من العالم ، إلا أنهم فشلوا بسبب تغير وإختلاف التربة.
في الفصل الرابع والأخير من الباب الثاني تم تخصيصه لأهم مشروع سياحي وديني وحضاري في تلك المنطقة الروحانية العظيمة ألا وهو مشروع ” التجلي الأعظم ” والذي يضم أكثر من 14 مشروعاً يقام في مدينة سانت كاترين والجبال المحيطة بجبل ” طوي ” حيث تبغي مصر تحويل المنطقة إلي ملتقي يجمع أبناء الديانات السماوية الثلاثة ، ومن المنتظر إفتتاح ذلك المشروع خلال هذا العام 2024 وسط إحتفالية كبري .
( التجلي الأعظم )
مشروع التجلي الأعظم ” سيساهم في جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم إلي جانب أبناء مصر ، فمدينة سانت كاترين ستصبح مدينة متكاملة سياحياً بفنادقها الكبري ، كما أن هذا المشروع سيفتح فرص العمل لأبناء سيناء في الحرف اليدوية والتي إشتهر بها المجتمع السيناوي ، مما يشير إلي أن السياحة لن تقف فقط علي زيارة الأماكن الروحانية ، بل هناك أيضاً السياحة الترفيهية كالسفاري وتسلق الجبال خاصة جبل موسي وسانت كاترين ، فالمنطقة تتمتع بالأماكن الخلابة الساحرة ، إلي جانب السياحة الطبية إعتماداً علي الاعشاب الطبيعية المتوفرة بين السهول والجبال مما يساهم في دعم الإقتصاد السيناوي المحلي .
ويؤكد الخبير السياحي د.عاطف عبداللطيف أن مشروع ” التجلي الأعظم ” المقام في مدينة سانت كاترين سيحقق نقلة حضارية وسياحية وإقتصادية لمنطقة جنوب سيناء خاصة ، كما أن الرئيس عبدالفتاح السيسي يهتم إهتماماً شديداً بذلك المشروع الكبير الضخم والذي سيحقق جذب ما يقرب من مليون سائح سنوياً ، ويطالب الخبير السياحي بإعداد حملة دعاية كبري لهذا الحدث العظيم من الأن ومن خلال حملات السوشيال ميديا ، مع دعوة علماء الدين والتاريخ من مختلف دول العالم لزيارة مدينة سانت كاترين والتي تعتبر مدينة مقدسة .
وأكد د.عاطف عبداللطيف في نهاية كتابه علي ضرورة الإعداد لأفلام الوثائقية عن الأنبياء والرسل الذين عاشوا بتلك المناطق او مروا بها ، إلي جانب تسليط الضوء علي المكان الوحيد في العالم الذي تجلي فيه الله سبحانه وتعالي بنوره علي الأرض ، ونشر تلك الأفلام الوثائقية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة عربياً وعالمياً .