ملك المغرب يلقي خطابا بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء
كتب – مصطفى ياسين
وجه الملك محمد السادس، ملك المغرب، مساء الأربعاء 6/11/2024، خطابا ساميا إلى الشعب المغربي بمناسبة الذكرى 49 للمسيرة الخضراء التي استعادت من خلالها المملكة المغربية أقاليمها الجنوبية بطريقة سلمية.
أكد العاهل المغربي أن المسيرة السلمية والشعبية التي قام بها المعرب سنة 1975، مكنت من استرجاع الصحراء المغربية، وعززت ارتباط سكانها بالوطن الأم، حيث تمكن المغرب، منذ ذلك التاريخ، من ترسيخ واقع ملموس، وحقيقة لا رجعة فيها، قائمة على الحق والشرعية، والالتزام والمسؤولية؛ ويتجلى ذلك، وفق الملك المغربي، من خلال : أولا، تشبث المغاربة الصحراويون بمغربيتهم، وتعلقهم بمقدسات الوطن، في إطار روابط البيعة، القائمة عبر التاريخ، بين سكان الصحراء وملوك المغرب. ثانيا، النهضة التنموية، والأمن والاستقرار، الذي تنعم به الصحراء المغربية. ثالثا، الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء، والدعم الواسع لمبادرة الحكم الذاتي.
أوضح محمد السادس أن هناك عالم آخر، منفصل عن الحقيقة، ما زال يعيش على أوهام الماضي، ويتشبث بأطروحات تجاوزها الزمن، فهناك، يضيف العاهل المغربي، من يطالب بالاستفتاء، رغم تخلي الأمم المتحدة عنه، واستحالة تطبيقه، وهناك من يستغل قضية الصحراء، للحصول على منفذ على المحيط الأطلسي، وهو ما لا يرفضه المغرب الذي اقترح مبادرة دولية لتسهيل ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي، في إطار الشراكة والتعاون، وتحقيق التقدم المشترك، لكل شعوب المنطقة.
في نفس الإطار، أشار ملك المغرب أن هناك من يستغل قضية الصحراء، ليغطي على مشاكله الداخلية الكثيرة، وهناك كذلك من يريد الانحراف بالجوانب القانونية، لخدمة أهداف سياسية ضيقة، وهو ما يجعل المغرب، وفق تعبير الملك محمد السادس، مصمما على اعتبار أن الشراكات والالتزامات القانونية للمملكة، لن تكون أبدا على حساب وحدتها الترابية، وسيادتها الوطنية.
خاطب العاهل المغربي الأمم المتحدة بالقول: “لقد حان الوقت لتتحمل الأمم المتحدة مسؤوليتها، وتوضح الفرق الكبير، بين العالم الحقيقي والشرعي، الذي يمثله المغرب في صحرائه، وبين عالم متجمد، بعيد عن الواقع وتطوراته”.
في سياق متصل، أبرز ملك المغرب أن المرحلة التي تمر منها قضية الوحدة الترابية للمملكة، تتطلب استمرار تضافر جهود الجميع، منوها بروح الوطنية التي يتحلى بها المغاربة المقيمون بالخارج، وبالتزامهم بالدفاع عن مقدسات الوطن، والمساهمة في تنميته.
من جهة ثانية، سلط العاهل المغربي الضوء على التضحيات التي قدمها جيل المسيرة، والتي تحفز المغرب على المزيد من التعبئة واليقظة، قصد تعزيز المكاسب التي حققها، في ترسيخ مغربية الصحراء، ومواصلة النهضة التنموية، التي تعرفها أقاليمنا الجنوبية. وبنفس الروح، يضيف ملك المغرب، يجب العمل على أن تشمل ثمار التقدم والتنمية، كل المواطنين في جميع الجهات، من الريف إلى الصحراء، ومن الشرق إلى المحيط، مرورا بمناطق الجبال والسهول والواحات.
الذكرى التاسعة والأربعين
يذكر أن الشعب المغربي، يخلد يوم الأربعاء 6/11/2024، بمشاعر الفخر والاعتزاز، الذكرى التاسعة والأربعين لإعلان الملك الراحل الحسن الثاني، طيب الله ثراه، عن تنظيم المسيرة الخضراء كحدث غير مسبوق على المستوى الدولي، والذي اعتبر منعطفا كبيرا لاستكمال الوحدة الترابية للمملكة واسترجاع أقاليمها الجنوبية بطريقة سلمية.
يمثل هذا الحدث المتجذر في تاريخ المغرب تحولا حاسما في مسار الكفاح من أجل استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية للمملكة المغربية، ومناسبة للتأكيد الجماعي المتجدد لكل أطياف الشعب المغربي على مغربية الأقاليم الجنوبية للمغرب، ومحطة مشرقة ومفصلية في تاريخ المملكة، حيث تمكن الشعب المغربي من تحرير جزء من أراضيه السليبة، ووضع حد لنحو 75 سنة من الاحتلال لجزء مهم من أرضه.
يرجع حدث المسيرة الخضراء لتاريخ 16 أكتوبر من سنة 1975، حين أعلن الملك الحسن الثاني، رحمه الله، عن تنظيم مسيرة لاسترجاع أراضيه بطريقة سلمية أبهرت العالم أجمع، وشكّلت سابقة في تاريخ التحرر من الاستعمار، وقد تزامن الإعلان عن المسيرة مع إصدار محكمة العدل الدولية بلاهاي لرأيها الاستشاري حول الصحراء، والذي أكدت فيه، في اعتراف دولي لا يقبل الاجتهاد أو التأويل، شرعية مطالب المغرب في استرجاع أراضيه، وأوضحت في هذا القرار التاريخي أن الأقاليم الجنوبية جزء من تراب المملكة ولم تكن يوما أرض خلاء، وأن هناك روابط قانونية وأواصر بيعة مثبتة كانت تجمع بين سلاطين المغرب وبين سكان الصحراء.
شكّل رأي المحكمة المذكورة بداية للتحرك المغربي لاسترجاع أراضيه من إسبانيا، حيث أعلن الملك الحسن الثاني في خطابه الموجه للأمة بهذه المناسبة ما يلي: “بقي لنا أن نتوجه إلى أرضنا، الصحراء فتحت لنا أبوابها قانونيا، اعترف العالم بأسره بأن الصحراء كانت لنا منذ قديم الزمن. واعترف العالم لنا أيضا بأنه كانت بيننا وبين الصحراء روابط، وتلك الروابط لم تقطع تلقائيا وإنما قطعها الاستعمار، لم يبق شعبي العزيز إلا شيء واحد، إننا علينا أن نقوم بمسيرة خضراء من شمال المغرب إلى جنوبه ومن شرق المغرب إلى غربه”.
وقد جسدت المسيرة الخضراء، التي انطلقت في السادس من نوفمبر عام 1975، مبادئ تشبث المغاربة بترابهم الوطني والتحام الشعب بالعرش، وإجماع كافة فئات وشرائح المجتمع المغربي على الوحدة، ومثالا يحتذى عن نبذ العنف والتشبع بقيم السلام، كما حرص الملك الحسن الثاني، مهندس المسيرة الخضراء، على تجنيب المغرب والمنطقة حربا مدمرة، فكان أن اتخذ قراره باللجوء إلى مسيرة سلمية ونهج الحوار لتسوية هذا النزاع في سبيل تحرير أقاليمه الجنوبية.