900
900
الثقافة

“المقامات والأضرحة المقدسة بفلسطين”.. موسوعة علمية ووثيقة تاريخية

900
900

كتب /مصطفى ياسين

إذا كنا نصف القضية الفلسطينية بأنها “أم القضايا”، فإن فلسطين كمساحة وكيان جغرافى، وخصوصاً بيت المقدس والمسجد الأقصى، تمثل مركز التلاقى الحضارى والثقافى لمختلف الشعوب والأجناس على مر العصور والأزمنة، لذا نجدها ذات شأن ومكانة مقدسة فى كل الأديان السماوية بل حتى المعتقدات والمذاهب الفلسفية الإنسانية، القديم منها والحديث، وما العجب فى ذلك والمولى عز وجل قد اختصها وميزها فجعلها قبلة أنبيائه ورسله، ومأوى قلوب وأفئدة عباده الصالحين، فكانت ممرا أو مقرا أو منطلقاً أو هدفاً لرسالة أغلبهم فى مسيرة دعوته، ما زادها قدسية ومحبة ومهابة ومنزلة فى قلوب الجميع بلا استثناء، دينيين وملاحدة، عاميين وفلاسفة، حكاما ومحكومين؟!
وهذا هو “بيت القصيد”، و “لب” الصراع الدائم والمستمر حولها، قديما وحديثا، من أجلها ضحى الجميع بالغالى والنفيس، وحرصوا على أن تكون فلسطين هى مستقر برزخه إلى يوم النداء الأعظم للمحشر.
من هنا تأتى أهمية الكتاب الذي صدر حديثاً عن دار الملتقى للنشر، للمفكر الاسلامى د. أحمد محمد قيس، رئيس مركز الدراسات القرآنية والسنة النبوية ببيروت، لبنان، بعنوان “المقامات والأضرحة المقدسة بفلسطين”، ليسلط الضوء لنا، وللأجيال الجديدة خاصة، على صفحات الخلود والنضال التى سطرها أسلافنا العظام، فى سبيل الحفاظ على هذه البقعة المباركة، ساحة للإيمان بالله الواحد الأحد، لكل عباده المؤمنين به.
والحقيقة أننا أمام عمل تاريخى ضخم كان من المنتظر أن تضطلع به إحدى المؤسسات الكبرى في عالمنا العربي والإسلامي، وما أكثرها، باعتباره يرصد ويؤرخ لشواهد وآثار سحيقة فى تاريخها الضارب فى أعماق الزمن، وانطلاقا من قول المؤلف ذاته: أن من ليس له تاريخ فلا حاضر له ولا مستقبل، تنبع أهمية هذا الكتاب الموسوعى الضخم الذي بين أيدينا، والذى يدعم كل تأريخ ورصد لأحد الأضرحة أو المقامات والمشاهد بالصور الموضحة والمبينة للموقع على وجه الدقة، ما يعنى بذل الجهد والوقت والمال، المصحوب بالمحبة والإخلاص الصادق لأنبياء الله ورسله واوليائه والصالحين وآل البيت.
وقد أحسن المؤلف صنعا بسرد قصص الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين، واستخلاص العبر والدروس من حياتهم، خاصة المتعلقة بهذه البقعة المباركة، فلسطين، وأهمية تقديم تعريفنا بدورهم في الحفاظ على قدسية فلسطين وبيت المقدس، ووجوب احترامنا وحفاظنا على آثارهم ومقاماتهم، لما فى ذلك من بعث للهمم، وإشعال للحماس ول”حمية” الهوية الدينية الإسلامية، بما يحفظ هذه المقدسات الدينية، فى مواقعها الجغرافية والتاريخية أول، ثم فى نفوس وعقول البشر ثانياً، أما ثالثاً وهو الأهم: فى قلوب أبناء الأمة العربية والإسلامية بل الإنسانية كلها.
الكتاب تناول قصص وسير الأنبياء والمرسلين والقديسين والصالحين الذين دفنوا بأرض فلسطين، فى ٤٥٠ ورقة من القطع الكبير الكوريشيه، رغم أنه يوزع مجانا، فضلاً عن وجود نسخة مصورة “بى دى إف” متاحة على شبكة الإنترنت.
ونظراً لإرث أمتنا العربية والإسلامية، العتيق والمتنوع، فهو يمثل كنزاً غنيا مليئا بالثروات الفكرية والثقافية، والقيم الأخلاقية والإنسانية، التى نحن في أمس الحاجة لاستعادتها واستحضارها وتجسيدها فى حياتنا المعاصرة، لتستقيم أمورها وتكون كما أرادها الله لنا فى قوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس”.
هذا العمل الموسوعى ليس مجرد مؤلف فكرى أو ثقافى، أعتمد فيه أسلوب ومنهج التوثيق الشامل والدقيق لكل معلومة أو سيرة حياة الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين، بل ليكون بذلك وعاء موثقا لحفظ تراثنا واثارنا المقدسة والتى تعرضت وماتزال للاندثار أو التدمير والمحو، للتعتيم على الهوية الإسلامية أو حتى الحضارية والتاريخية والإنسانية الأصيلة وادعاء هويات مزيفة ودخيلة!
وإنما هو “خريطة طريق” ينبغى على الإنسانية جميعا اتباعها للخروج من حالة الصراع والتحارب والتقاتل، إلى إقرار السلام والتعاون والعمل لما فيه خير الجميع، من خلال إعادة قراءة تاريخنا الإنسانى، وخاصة تاريخ فلسطين الحبيبة إلى قلب كل إنسان، ذلك الإنسان الذى جعله الله تعالى خليفة له في الأرض، ليعمرها لا ليخربها ويدمرها.
هذا العمل الموسوعى زادت أهميته بكوكبة العلماء والمتخصصين الذين قدموا له وعرفوا به، من خلال تقريزات وشروح علمية ودينية وسياسية واجتماعية، أضافت مزيداً من التفاصيل، وعلى رأسهم سماحة/ السيد محمود الشريف، نقيب السادة الأشراف بمصر والعالم، المطران عطاالله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس، د. حسين محمد قاسم، رئيس مجلس علماء فلسطين، العلامة د. حسان عبدالله، رئيس تجمع العلماء المسلمين في لبنان، المطران ثاوفيلوس جورج صليبا، راعى كنيسة أنطاكية السريانية الأرثوذكسية.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى