“جحيم المناخ” يُطارد العالم
كتب : أحمد عبد الحليم
تشهد مصر و العالم بأسره إرتفاعًا غير مسبوق في درجات الحرارة، فصول صيف باتت أقرب إلى أفران طبيعية، و أيام تزداد فيها وطأة الشمس بشكل يُنذر بعواقب وخيمة على الصحة و البيئة و الإقتصاد. لم يعد الأمر مُجرد تقلبات جوية إعتيادية، بل تحول إلى ظاهرة مُقلقة تستدعي دق ناقوس الخطر و التحرك العاجل لمُواجهة هذا التحدي المصيري.
دعوة للعمل المناخي.
تُؤكد الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، عبر تقاريرها التقييمية الحديثة (AR6) الصادرة بين عامي 2021 و 2023، أن الأنشطة البشرية هي المُسبب الرئيسي للإحترار العالمي و تفاقم الظواهر الجوية المُتطرفة كموجات الحر و الجفاف. يُشدد التقرير على ضرورة خفض الإنبعاثات الكربونية بشكل جَذري و التَكيّف مع الآثار المناخية القائمة و المُستقبلية، و هو ما يَتسق مع الحاجة المُلحة للتحول نحو مصادر الطاقة المُتجددة و تحسين كفاءة إستهلاك الطاقة لمُواجهة إرتفاع درجة الحرارة.
تأثير تغير المناخ.
تُبرز دراسات صادرة عن جهات دولية موثوقة مثل البنك الدولي و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، أن مصر تُعدّ من الدول الأكثر عُرضة لتأثيرات تغير المناخ، نظرًا لموقعها الجغرافي و إعتمادها على الزراعة و نهر النيل. تُفصّل هذه الدراسات الآثار السلبية لإرتفاع درجات الحرارة على الموارد المائية، و الإنتاج الزراعي، و الصحة العامة، و المناطق الساحلية في الدلتا، مما يُؤكد على حجم التحدي الذي تواجهه البلاد.
مُواجهة تغير المناخ.
إستجابةً لهذه التحديات، بدأت الحكومة المصرية في تنفيذ مُبادرات و إستراتيجيات وطنية طموحة، أبرزها “الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050” التي أُطلقت في مايو 2022، و تحديث المُساهمات المُحددة وطنيًا (NDCs) في يونيو 2023. تُركز هذه الجهود على التحول نحو الطاقة النظيفة، مثل الهيدروجين الأخضر، و تحسين إدارة الموارد المائية، و تعزيز آليات التَكيّف في القطاعات الحيوية، مما يُظهر إلتزام مصر الجاد بمُواجهة التحديات المناخية.
دور مصر المحوري في مؤتمرات المناخ.
لعبت وزارة البيئة المصرية دورًا محوريًا في مؤتمرات المناخ الأخيرة، ففي قمة شرم الشيخ (COP27) قادت مصر دفة المُؤتمر تحت شعار “معًا من أجل التنفيذ”، و نجحت في إطلاق مُبادرة “الخسائر و الأضرار” لتقديم الدعم المالي للدول النامية الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، كما أطلقت مُبادرات لربط قضايا المناخ بالتنوع البيولوجي. و في مُؤتمر دبي (COP28)، واصلت مصر جهودها بتسليط الضوء على مُبادراتها الوطنية مثل برنامج “نوفي” للمشروعات الخضراء الذكية، و إستعرضت الإستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050، كما ركزت على أهمية زيادة تمويل المناخ. أما في مؤتمر أذربيجان (COP29)، فكانت مشاركة الدكتورة ياسمين فؤاد وزيرة البيئة السابقة مُميزة بقيادتها للمُشاورات الوزارية حول الهدف الجديد لتمويل المناخ، حيث عملت على تمثيل مصالح الدول النامية و الدفع نحو تحقيق هدف مالي طموح و شفاف لمُواجهة آثار تغير المناخ.
لماذا ترتفع درجة الحرارة؟ الجاني الرئيسي هو تغير المناخ.
لا يمكن فصل مُوجات الحرارة الحالية عن قضية تغير المناخ، الظاهرة التي يتفق عليها غالبية العلماء و تُعزى بشكل أساسي إلى الأنشطة البشرية. فمنذ الثورة الصناعية، تزايد حرق الوقود الأحفوري (الفحم و النفط و الغاز) بشكل هائل لتلبية إحتياجات الطاقة المُتزايدة. هذا الإحتراق يُطلق كميات هائلة من الغازات الدفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون و الميثان، في الغلاف الجوي. تعمل هذه الغازات كغطاء سميك يحبس حرارة الشمس داخل الغلاف الجوي للأرض، مما يُؤدي إلى إرتفاع مُتوسط درجة حرارة الكوكب تدريجيًا. هذا الإرتفاع ليس مُنتظمًا، بل يتسبب في ظواهر جوية مُتطرفة، بما في ذلك مُوجات الحرارة الشديدة و الجفاف و الفيضانات و العواصف.
مصر عُرضة لتأثيرات المناخ.
تعتبر مصر من الدول الأكثر عُرضة لتأثيرات تغير المناخ، و ذلك لعدة أسباب جغرافية و إقتصادية. فموقعها في منطقة صحراوية و شبه صحراوية يجعلها حساسة لإرتفاع درجات الحرارة و نقص المياه. كما أن إعتمادها الكبير على الزراعة يجعلها مُهددة بشدة بتغير أنماط الأمطار و إرتفاع منسوب سطح البحر الذي يُهدد الأراضي الزراعية الخِصبة في الدلتا. بالفعل تشهد مصر إرتفاعًا ملحوظًا في مُتوسط درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة، و تزداد حِدَة و تكرار مُوجات الحرارة الصيفية. هذا يُؤثر بشكل مُباشر على صحة المواطنين، خاصة كبار السن و الأطفال و أصحاب الأمراض المُزمنة، و يزيد من إستهلاك الطاقة لتشغيل أجهزة التكييف، و يُؤثر سلبًا على الإنتاجية في مختلف القطاعات.
المُواجهة و العودة إلى الإعتدال.
مُواجهة تحدي إرتفاع درجات الحرارة و العودة إلى أجواء أكثر إعتدالاً ليس مستحيلاً، و لكن تتطلب جهودًا مُتكاملة و مُستدامة على المُستويات المحلية و الدولية. فعلينا أن نتفاهم الأمر لا يوجد حل سحري، و لكن هناك خطوات حاسمة يجب إتخاذها؛ بداية من خفض الإنبعاثات الكربونية، بالتحول إلى مصادر الطاقة المُتجددة، حيث تسريع الإستثمار في الطاقة الشمسية و الرياح و غيرها من مصادر الطاقة النظيفة لتقليل الإعتماد على الوقود الأحفوري، حيث تمتلك مصر إمكانيات هائلة في هذا المجال و يجب إستغلالها بشكل كامل، مرورًا بتحسين كفاءة إستخدام الطاقة، بتبني سياسات و برامج لتشجيع ترشيد إستهلاك الطاقة في المنازل و المصانع و وسائل النقل. مع تشجيع وسائل النقل المُستدامة، بتطوير شبكات النقل العام و تشجيع إستخدام الدراجات و المشي للحَدّ من إنبعاثات المركبات. وصولاً إلى الإستثمار في تقنيات إلتقاط و تخزين الكربون، بدعم الأبحاث و تطبيق التقنيات التي تُساعد في إمتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.
علاوة على التَكيّف مع الآثار الحالية و المُستقبلية، بتطوير البنية التحتية، حيث تصميم و بناء مُدن و مبانٍ أكثر قُدرة على تحمل درجات الحرارة المُرتفعة، مع التركيز على المساحات الخضراء و التهوية الطبيعية. مع إدارة الموارد.

















