رؤية نقدية لرواية ” تاريخ المرايا” للكاتب العراقى الأستاذ سعيد على لفتة
بقلم / د. منى حسين
كشفت رواية ” تاريخ المرايا ” عن مضمونها من عنوانها ، حيث نجح الكاتب فى اختيار عنوان لروايته دالاً على محتواها و أحداثها المختلفة، و هو يعد نجاحاً وتميزاً لمفكر يكتب أحداث حدثت بالفعل فى تاريخ بلاده ، صاحبة الحضارة ، و لم يكتبها بشكل أجوف لكنه ربطها بعدة شباب ، كانوا فى معظم مراحل حياتهم حطباً لهذه المعارك و الحروب التى مرت بها بلادهم ، كأنهم يساقون إلى حتفهم مقيدى الأيدى و الأقدام ، و مطلوب منهم أن يحاربوا تنفيذاً للأوامر.

و لم يغفل الكاتب رصد سمات المجتمع الذى ينتمون إليه ، فكان جامد الذى أخطأ كاتب السجل المدنى فى كتابة اسمه حامد فأضاف نقطة غيرت معنى اسمه ، و الآخر هو مصدام الذى كان يصطدم مع كل شىء حتى القابلة التى اخرجته من بطن أمه ، و كان اسمه مطابقاً لشخصيته هو و صدامه و معارضته لنظام الحكم،، لكنه مجبر على تنفيذ ما يأمره به قائده فى الحرب ، و الحروب التى تدخل فيها بلاده ، مضحيا بسلامته، و صاحبهم مسعود جميعهم من نفس البلدة ، و أكد على اختلافاتهم العقدية ، لكنهم جميعاً لم يشعروا بها لا هم و لا أسرهم من آباء و أمهات ،
فقد عاصروا أهم الأحداث التى سردها الكاتب ، من حرب العراق مع إيران لعدة سنوات ، و ما تبعها من فرض عقوبات على العراق ، و حظر جعلهم يعانون نقص فى معظم احتياجاتهم من سلع غذائية و أجهزة منزلية و غيرها ، فى كل الأحوال على جبهة القتال أو صراعهم مع شح فرص العمل بعد تسريحهم من الجيش ، و معاناتهم مع الفقر .
فبدأ روايته بسنة ” 1985 ” و أهم الأحداث التى تعرض لها هؤلاء المجندون ، و هم بين مؤيد و معارض و من هو بلا رأى أو فكر ، يفعل ما يؤمر به ، فى حرب طال أمدها ، واصفاً بدقة بنيتهم الجسدية و طبائعهم المتباينة .
و مصدام الذى يطلبون منه إلقاء شعر احتفالا بعيد ميلاد رئيس الدولة صدام حسين ، و أصدقاؤه يعلمون مدى كرهه له و للنظام الحاكم ، و الذى يرى فى حكام الغرب أنهم دعاة الحرية و السلام ، و بلادهم تنوء بالمشكلات، و إهدار حقوق الإنسان ، و يدعون أنهم يخلصوننا من ظلم هم ينفذوه مع شعوبهم .
و تتوالى التواريخ بين عام 1995 و عام 1986 و حرب العراق مع إيران ، و هروب مصدام و سفره إلى باكستان و انضمامه للمعارضة ، ليأتى عام 2002 و ينضم مصدام إلى المعارضة فى لندن ، و تعاقب أسرته بدخول الشرطة بيت عائلته و تهدمه ، و تعتقل أبيه و أمه و أخته و يهرب أخوه .
و يعود بنا الكاتب إلى مرآة عام 1996 هروب مصدام و صراع بين صديقه جامد مع نفسه فى الهروب و الانضمام للمعارضة خارج العراق، تصنيف الشعب بين سنى و شيعى ، و إصابة الشباب ، و تأخر سن الزواج عندهم نتيجة الحصار المفروض على العراق ، و تعدد جبهات الحروب التى خاضتها مع الكويت و غزوه ، و صراعات على الحدود العراقية السعودية و مع إيران ليبقى الوضع على ما هو عليه لهؤلاء الشباب ، جامد و مسعود و طارق و أسرهم ، و وطن يحتاج لترميمه من الداخل ، بدلاً من دخوله فى معارك و فتح جبهات جديدة داخلية و خارجية .
و فى الأعوام الأخرى المعنونة لفصلين متتاليين 1998 و 1999 و احوال هؤلاء الشباب و المشكلات التى يواجهونها دينية واجتماعية بمشكلة زواج السنى من شيعية و العكس ، لنصل إلى عام 2004 بعد دخول المارينز الأمريكى العراق ، و يبقى الصراع الطائفى بين السنة و الشيعة ، و لمن الغلبة ؟ النظام المنهار بقيادة السنة أم النظام الشيعى الذى تولى السلطة و عمليات الانتقام ، و التفجيرات التى تحدث داخل البلاد ، بعمليات انتحارية وسط الأسواق و قلق و غياب الآمان ، و شعوب طيبة ، لا تلقى بنفسها فى هذه الصراعات ، تعمل لتقتات و تربى الأبناء ، لا يعنيها هذا أو ذاك ، المهم أن يبعد عنهم هذا الخراب . و العمليات الانتحارية ، و هدم البيوت و قتل المواطنين فى الأسواق و دور العبادة و غيرها من الأماكن المهمة .
و آخرون ينوون الهجرة خارج البلاد خشية العواقب و الصراعات داخل البلاد . و احلال نظام حكم جديد و تشكيل مجلس نواب بثوب جديد معظمه من المعارضين و المتضررين من النظام السابق .
هذه الرواية بمراياها التى عكست لنا الأوضاع فى بلد عريق ، على مدار عقود هى نظرة تأريخية ، ليعرف الجميع من الأجيال القادمة أسباب المشاهد التى يعيشون فيه ، و هذا ليس من خارج البلاد بل ممن عاش و رأى هذه الأحداث و تضرر منها ، فهى رؤية لشاهد عيان ، كتب دون تحيز لفصيل أو معارضة فصيل ، فالأيام و العقود القادمة ستبين مَن الأصلح للبلاد ، النظام الراحل أم النظام الحالى ، و فى كل الأحوال سيكون المواطن البسيط ضحية لكل ظلم ، و كل نظام له انتماءاته و فكره .
فهذا هو الأدب الهادف الذى يحرص على توعية القارىء ، و تعريفه بمجريات الأمور و يترك له الحكم و الفهم لما يحدث حاليا ، فكل التوفيق للكاتب المتميز الأستاذ على لفتة على هذا العمل الأدبى ، تهانينا له ، و فى انتظار أعمال آخرى .

















