مكتبة الملك عبدالعزيز العامة والمكتبات المصرية.. عقود من الشراكة الثقافية والتواصل المعرفي
كتبت /علا عبد الهادي
تشكل العلاقات الثقافية بين مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ومكتبات جمهورية مصر العربية حالة من الرصد المعرفي المتميز الذي يذهب إلى تكوين ترابط وتفاعل ثقافي يبرز هذا التاريخ الذي يمتد إلى سنوات.
وقد سعت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة من خلال أهدافها الثقافية الشاملة، إلى تعزيز العلاقات المعرفية بينها وبين عدد من المؤسسات الثقافية الكبرى في مصر، التي تتبع وزارة الثقافة المصرية مثل: دار الكتب، ومكتبة الإسكندرية، ومكتبات الجامعات المصرية، فضلا على إقامتها عددا وافرا من الأنشطة والفعاليات الثقافية بالقاهرة والإسكندرية، وتعاونت مع المكتبات المصرية خاصة عبر مركز الفهرس العربي الموحد أحد مشروعات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة منذ سنوات، وأصدرت فيه مجموعات من فهارس المكتبات العربية، حيث تهدف المكتبة إلى التأسيس لتكامل عربي وتعاون مشترك بناء، ومن خلال ذلك عُقد عدد من الدورات التدريبية للعاملين في المكتبات المصرية؛ لتأهيل العاملين ومديري المكتبات للعمل بجودة عالية على المعايير الدولية التي اعتمدها الفهرس العربي الموحد، حرصا على تشكيل محتوى ثقافي عربي شامل يسهم في التنوير وإثراء الحياة العربية بالمزيد من عناصر الثقافة والمعرفة.
من جانب آخر شكل فوز عدد كبير من الباحثين والمؤلفين المصريين بجائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة خلال دوراتها نوعا من التبادل المعرفي الضمني بين البلدين من خلال إسهام المكتبة بالتعريف بالمنجز الثقافي للفائزين.
وتتسع مساحات التفاعل الثقافي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، منذ بدايات قيام المملكة في عام 1932، وحتى اليوم ، ذلك لأن الصلات الثقافية بين البلدين الشقيقين تمتد إلى الروابط الدينية والتاريخية والاجتماعية، ورحلات الحج القادمة الى الديار المقدسة، فهي روابط لا تنفصم عراها في أي مجال من المجالات، بيد أن الثقافة تظل الجوهر الأثير الذي تستند عليه العلاقات الثقافية بين البلدين، وتحتفظ مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في أرشيفها بصور لأول رحلة ملكية سعودية إلى مصر، التي تمت في يناير (كانون الثاني) 1946، وقام بها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ورسّخت تلك الزيارة التاريخية العلاقة بين البلدين.
كما تقتني المكتبة عددا من أبرز المجلات المصرية التي صدرت أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الميلادي منها: المشير (1894) والمصور (1924) والرسالة للأديب الكبير أحمد حسن الزيات(1933) وأبولو (1934) وأبقراط الطبية (1904) والاثنين والدنيا (1947) والإخاء (1934)، فضلا على أعداد مجلة الهلال وإبداع والقاهرة وفصول والشعر، مما يدل على الثراء الثقافي الذي شكلته هذه المجلات والدوريات وحرص المكتبة على توفيرها بين يدي الباحثين والمعنيين للدراسة والبحث، مما يفضي إلى إثراء التاريخ الثقافي والعلمي والنقدي الأدبي من شأنها أن توسع من التفاعل الثقافي بين البلدين، خاصة ما يتعلق منها بنشاط الفهرسة والتوثيق وإعداد المحتوى الرقمي للمكتبات.
واهتمت مكتبة الملك عبدالعزيز بالكشف عن بعض العناصر الثقافية والوقائع التاريخية التي حدثت بمصر عبر إصدار الكتب أو تحقيق المخطوطات أو الترجمة، أو اقتناء الكتب النادرة، حيث اقتنت المكتبة أول كتاب في علم الطبيعة تمت ترجمته بمصر، وهو كتاب ” الأزهار البديعة في علم الطبيعة ” الصادر عن دار الطباعة المصرية في العام 1291هـ ( 1871م) وقام بتأليفه جاستينيل بك معلم الكيمياء بالمدرسة الطبية بالقصر العيني، ونهض على ترجمته أحمد أفندي ندا، بالإضافة إلى عدد من الكتب النادرة والفريدة والتي تعود إلى فترات بعيدة في عدد من العلوم والمعارف.
ويشكل التعاون بين مكتبة الملك عبدالعزيز العامة والمكتبات المصرية بوجه عام نموذجا للتعاون والتبادل الثقافي والمعرفي الذي يسهم في تحقيق الثراء الحضاري بمختلف أبعاده، فيما يسهم في الكشف عن بعض المضامين الثقافية غير المعهودة التي يستفيد منها المهتمون والباحثون في مجال تحولات الثقافة العربية.