بقلم / سلوى مرجان
أتلك هي نهاية المطاف ؟!
هذا هو السؤال الذي ألح على عقلي وأنا أسمع خطوات المديرة تبتعد وهي تصيح:
– أقسم لك أنك لن تري الطريق مرة أخرى يا ابنة الساقطة.
نظرت إلى نجاة التي أصبحت لا حول لها ولا قوة ، ونظرت لنفسي وأنا أصبحت سجينة لن يعرف عني أحد بعد اليوم أي شيء، ولن يسأل عني مخلوق.
نظرت من النافذة على الحديقة عالية الأشجار ، ومن بعيد يكاد يبين الباب الذي يجلس أمامه حارسان، فعرفت أنه لا مهرب أبدا.
مضى يوم كامل والباب لا يفتح إلا لتقديم الطعام، وكانت نجاة هادئة تماما لا تتكلم ولا تسأل، وأنا لم أشأ أن أزعجها بكلمة، كنت فقط أساعدها على تناول الطعام وأعطيها الدواء، وصباح اليوم الثالث أشارت لي على الدواء وسألتني:
– ما هذا الدواء ؟
– لا أعلم يا نجاة، إن الطبيب هو الذي كتبه لك.
أمسكت بالشريط وألقت به بيدها الضعيفة على الأرض، وقالت بصوتها الضعيف:
– ألم تفهمي بعد؟!
– ماذا أفهم ؟
– هذا الطبيب هو ابن خالة الملعو نة ، وهو الذي يساعدها في كل شيء.
– لكن هذا دواء.
– ألا تعلمين أنها كانت تضع للبعض في كوب الماء الموجود بجوار السرير حبة هلوسة!
– هلوسة ؟!، إذن ربما وضعتها لي في اليوم الذي سمعت فيه الصراخ ولم يسمعه غيري.
– أي صراخ؟
– كنت أسمع صوتا يصرخ ويقول سامحيني يا أمي.
– هل كان هذا بعد وفاة فيروز؟
– نعم نعم.
– إنها أنا.
– ولكنك قلت أنك ذهبت إليها بنفسك.
– نعم قلت هذا، لقد ذهبت بعدما علمت بما فعلته مع فيروز، وكيف حرضت صاحب الفندق، وعرفت مبلغ الرشوة التي أخذها العامل ليضع لها المخدر في الماء ثم يلقي بها من فوق سطح الفندق، ولأنني غبية لم أذهب مباشرة للضابط، بل ذهبت لها وهددتها بفضح الأمر، فأكدت لي أنني مخطئة وطلبت مني أن أنتظر نصف ساعة فقط لتؤكد كلامي، وانتظرت كحمقاء تقف أمام القطار، وبعد أقل من نصف ساعة كانت هي ومساعدتها وذلك الطبيب يقيدونني ويلقون بي في القبو، وكدت أموت من الضرب والتعذيب، لولا أنني أخبرتهم في النهاية أن لي صديق سيبلغ الشرطة إن لم أظهر، وقلت لها أنه يعرف كل شيء، فساومتني على حياتي، الخروج من القبو والعلاج مقابل أن أبقى هنا للأبد وأتصل بصديقي كل أسبوع أمامها لأخبره أنني بخير.
– ومن هو هذا الصديق ؟
– ولي أمر أحد الطلاب، وهو وزوجته يثقان بي جدا ويدعماني.
– وكيف سننجو الآن؟
– سنعيش هنا يا كاميليا.
صرخت:
– هنا! هنا! وهل هذه حياة، بل قولي سنموت هنا، ومن أدراك أنها لن تتخلص منا؟!
– هي تعلم أنني إن لم أتصل بالرجل كل أسبوع، سيبلغ الشرطة.
نظرت لها وأنا لا أصدق ما أسمع، هكذا بتلك البساطة نستسلم لهذا السجن، ولكنني لن أطيق هذا أبداً.
في صباح اليوم الرابع وأنا أنظر من النافذة رأيت أسامة يدخل من الباب ويتحدث مع الحارس، ثم يأتي الطبيب ويقف معه قليلاً ثم يدير ظهره ويخرج، حاولت أن أنادي عليه،ولكن المسافة كانت بعيدة ولم يسمعني سوى الطبيب الذي رفع وجهه ونظر نحوي بسخرية.
وتوالت الأيام.
وبعد عشرة أيام كاملة وفي منتصف الليل سمعت صوت الباب يفتح، فقفزت بسرعة من مكاني ونظرت من بالباب، فإذا به الحارس، فازداد فزعي، لولا أنه اقترب مني وقال بصوت خافت:
– هيا إلى الخارج، السيد أسامة ينتظرك.
– أسامة؟!
– لا وقت للسؤال أسرعي.
– سآخذ نجاة معي.
– لا، الأوامر أنت فقط.
– لا أستطيع تركها.
– لو لم تتحركي، سأتركك أنت أيضاً.
نظرت لنجاة المكومة على نفسها وهززت رأسي بقوة وأنا أقول بإصرار:
– أنا وأختي معا.
فخرج وأغلق الباب، فاقتربت من نجاة وحضنتها بقوة وأنا أهمس:
– لن أتركك أبداً.
بعد عشر دقائق فقط كان الباب يفتح من جديد لنا نحن الاثنان، حملها الرجل على ظهره ونزلنا من السلالم الخلفية، وكان الطريق خالياً، وأمام الباب الخارجي كان يقف أسامة مبتسماً، فوضع الحارس نجاة على الأريكة الخلفية، وجلست أنا بجوار أسامة الذي انطلق بسرعة.
قلت له:
– كم دفعت لهذا الهروب؟
أوقف السيارة ونظر لنجاة النائمة كطفل صغير، ثم عاد ينظر لي مبتسما ويهمس:
– دفعت من أجل نجاة راتب عامين له، أما من أجلك فأدفع حياتي ولن أبالي.
ابتسمت لكلامه وهممت أن أحتضنه وأبكي، ولكني عزفت عن ذلك وقلت له والدموع تتساقط من عيني:
– هل صدقتني الآن؟
– أنا لم أكذبك يوما أيتها الحمقاء. حتى عندما أخبرني الطبيب أنك تركت المركز ورجعت للدار، لم أتوقف عن مراقبة الدار لأتأكد من وجودك، وعندما تيقنت من كذبه، عدت من أجلك.
سألته في حيرة:
– وماذا سنفعل الآن؟
هزت كتفيه وقال ببساطة:
– سنتزوج.
حدقت به وفمي مفتوح على آخره، ثم سألته مجددا:
– ماذا قلت؟
– لا توافقين، أم لم تسمعي؟
– أريد أن أتأكد، هل ستتزوج فتاة لقيطة.
عوج فمه وقال بضيق:
– بل سأتزوج فتاة عبيطة.
خبط كفا بكف وقال:
– قلت لك أيتها الساذجة أنك لست لقيطة، لقد دخلت الملجأ وأنت كبيرة، فكيف تكونين لقيطة؟
وهنا أخرجت الأوراق من داخل المعطف وقلت:
– لدي صورة.
أعطيته الصورة، فنظر لها وقال:
– عمرك لم يكن يقل عن أربعة أعوام.
مد يده لي بالصورة مرة أخرى، فهممت أن أمسكها، لكنه فجأة انتزعها مني وعاد يحملق بها ثم هتف:
– فاتن، أنت فاتن.
– فاتن؟
– نعم، ابنة جارنا في بيت المعادي، أنا على يقين.
وكأن أحدهم يضبرني بقوة على رأسي، وكأنه خيط الأمل والخوف في وقت واحد، سألته بصوت مرتعش:
– من هو وما اسمه، وكيف عرفت ؟
– اصبري يا كاميليا، سأشرح لك الأمر، هذه الصورة كان يعلقها الحاج محمد في بيته بعدما تاهت منهم ابنته فاتن في رأس البر، وطال البحث عنها وأنفقوا المال هنا وهناك ليجدوها ولكن بلا فائدة، حتى أن ……..
– أن ماذا؟
– والدتك ماتت من الحزن.
حركت رأسي لأتأكد أنني لست أحلم، إنه يخبرني أن لي عائلة وأهل وأم وفي نفس اللحظة أمي ماتت، أنا لا أستطيع أن أصدق، قلت له بإصرار:
– أنا لن أنام لحظة واحدة قبل أن تذهب بي المعادي وأتأكد أن لي أهلا.
هز رأسه موافقا وقال:
– سنذهب بنجاة للبيت، وننتظر حتى الصباح.