مقالات

دكتورة نرمين توكل تكتب : القاهرة.. قلب أفريقيا النابض وجسرها نحو صياغة مستقبل عالمي جديد

​لم تكن إستضافة القاهرة لمنتدى الشراكة الروسية–الأفريقية مجرد بروتوكول دبلوماسي عابر، بل جاءت بمثابة إعلان صريح عن تبلور دور مصر كمنصة استراتيجية لا غنى عنها في إدارة الحوارات الدولية المتعلقة بمستقبل القارة السمراء، ورسالة واضحة بأن القاهرة باتت “العقل الاستراتيجي” الذي يمتلك القدرة على مواءمة الطموحات الدولية مع الأولويات الأفريقية الأصيلة. ففي توقيت يشهد تحولات جيوسياسية كبرى، برزت مصر كنموذج للدولة التي نجحت في إعادة صياغة علاقتها بعمقها القاري على أسس من الاحترام المتبادل، محولةً دورها من مجرد طرف مشارك إلى قائد ومنسق وصانع للتوافقات، وهو ما تجلى في ثقة الشركاء الدوليين وعلى رأسهم روسيا الاتحادية الذين اتخذوا من العاصمة المصرية منبراً للانطلاق نحو القارة.

​هذا الثقل المصري لم يأتِ بمحض الصدفة، بل هو نتاج سنوات من الانخراط الفعلي في ملفات السلم والأمن، وقدرة فائقة على ترجمة التحديات إلى فرص للتنمية المستدامة؛ لذا انتقل المنتدى في القاهرة من حيز الخطابات السياسية إلى مربع “الشراكات التنفيذية” التي لامست عصب الاحتياجات الأفريقية. وتصدرت هذه التفاهمات اتفاقيات استراتيجية في مجال الطاقة والبنية التحتية، حيث تم استعراض محطة “الضبعة النووية” كنموذج رائد لنقل التكنولوجيا المتطورة، تلاها توقيع مذكرات تفاهم لتعزيز الربط الكهربائي الإقليمي الذي يطمح لجعل مصر مركزاً لتداول الطاقة بين الشرق وأفريقيا. كما شهدت الأروقة دفعاً قوياً لمشروع “المنطقة الصناعية الروسية” بمحور قناة السويس، لتكون قاعدة انطلاق لوجستية توفر آلاف فرص العمل وتوطن الصناعات التحويلية التي تحتاجها الأسواق الأفريقية الناشئة تحت مظلة اتفاقية التجارة الحرة القارية.

​وعلى صعيد الأمن الحيوي، ركزت الشراكات الموقعة على ملفات السيادة الغذائية، من خلال اتفاقيات تضمن استدامة سلاسل إمداد الحبوب والأسمدة، مع التوسع في مشاريع التصنيع الزراعي ونقل تقنيات الري الحديثة، وهي مجالات تتقاطع مباشرة مع أجندة الاتحاد الأفريقي 2063. ولم يغفل المنتدى البعد الإنساني، حيث تم إقرار برامج مكثفة لبناء القدرات الوطنية ونقل الخبرات في مجالات البحث العلمي والتعليم الفني، مما يعزز من قدرة الشباب الأفريقي على قيادة قاطرة التكنولوجيا في بلادهم. كل هذه المسارات تدار عبر بنية دبلوماسية ومؤسسية مصرية قوية، أثبتت كفاءة منقطعة النظير في تنظيم الفعاليات الكبرى وتوجيه بوصلتها نحو تحقيق “التنمية العادلة” بعيداً عن منطق الهيمنة أو القطبية.

​إن النجاح المبهر لهذا المنتدى وما تمخض عنه من شراكات، لم يكن ليتحقق لولا الرؤية الثاقبة والجهود الحثيثة للقيادة السياسية المصرية؛ وهنا تجب الإشادة بالدور التاريخي لسيادة فخامة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي ، الذي وضع الملف الأفريقي على رأس أولويات الدولة المصرية، وأعاد بمبادراته وتحركاته الدبلوماسية النشطة رسم ملامح الحضور المصري في القارة. إن إيمان فخامة الرئيس بأن أمن مصر القومي وتنميتها مرتبطان ارتباطاً وثيقاً باستقرار ونماء أفريقيا، هو الذي جعل من القاهرة اليوم مزاراً لقادة العالم وقبلةً للشركاء الدوليين. إننا أمام قيادة تدرك قيمة مصر التاريخية وتعرف كيف توظف أدوات القوة الناعمة والصلبة لصياغة مستقبل مشرق، ليظل هذا المنتدى شاهداً على أن مصر تحت قيادتها الحالية ليست مجرد بوابة جغرافية، بل هي القلب النابض والضمانة الحقيقية لبناء أفريقيا قوية، مستقلة، ومزدهرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى