رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الرياضة في الميزان

بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
و رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الرياضةَ في ميزانِ الإسلام ليست مجرّد حركةٍ للجسد، ولا ترفيهًا عابرًا، بل هي بابٌ من أبوابِ القوة، وصيانةٍ للبدن، وبناءٍ للذات، وتربية للنفس على الانضباط والصبر.
والبدن وعاءُ الروح، وصحته أمانة عند الإنسان، وقد قال أهل العلم: مَن قصّر فيما يقوّي بدنه فقد قصّر في حقِّ نفسه وحقِّ أمته.
وقد جاء الإسلام بمنهجٍ متكاملٍ يراعي الجسد، ويهذّب الروح، ويربط المسلم بربه في كل شأن؛ حتى أمره بحفظ قوته والاستعداد الدائم، فقال الله تعالى:
﴿وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ سورة الأنفال: الآية 60
وقال النبي ﷺ مُفسِّرًا معنى “القوة” فقال:
«أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ»
رواه مسلم
وهذا تصريحٌ واضحٌ بأنّ القوة مطلوبة شرعًا، والرياضة أحد أعظم أسبابها.
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجَزْ فَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا . وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَو ْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. أخرجه أحمد ومسلم و”النَّسائي في صحيح الجامع .
⚫ أولا : حُكمُ ممارسةِ الرياضة في الإسلام .
● الأصل في الرياضة الإباحة بل تُشرع إذا قصد بها تحقيق منفعة شرعية
لأنّ الشريعة جاءت بحفظ النفس والبدن والعقل، والرياضة من وسائل حفظها.
قال تعالى:
﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾
سورة النساء: الآية 29
والرياضة تحمي الجسد من المهالك، والكسل، والأمراض المزمنة، فهي داخلة في إطار حفظ النفس.
– وقد مارس النبي ﷺ وأصحابه الرياضة وفنون القوة
• من ذلك المصارعة، فقد صارع ﷺ رُكانة — وكان شديد القوة — فصرعه النبي.
رواه أبو داود
• وكان ﷺ يسابق زوجته عائشة رضي الله عنها، فقالت:
«سَابَقَنِي رَسولُ اللهِ ﷺ فَسَبَقْتُهُ، فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقَنِي فَسَبَقَنِي»
رواه أبو داود
وهذا دليلٌ على مشروعية الرياضة للرجال والنساء بضوابطها.
ورسول الله ضرب لنا أروع الأمثلة في التحلي بالروح الرياضية والخلق الرياضي القويم , وتقبل الهزيمة كتقبل الفوز , والاعتراف للخصم بالتفوق , وعدم غمطه حقه لأن لا يعد ذلك نوعا من الكبر , فعن عروة عن عائشة قالت : خرجت مع النبي صلى الله عليه و سلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال لي تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقته فسكت عنى حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت خرجت معه في بعض أسفاره فقال للناس تقدموا فتقدموا ثم قال تعالى حتى أسابقك فسابقته فسبقني فجعل يضحك وهو يقول هذه بتلك”
أخرجه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في “السلسلة الصحيحة” (1 / 204) .
⚫ ثانيا : ضوابط الرياضة في الإسلام .
– لكي تكون الرياضة عبادةً وطاعة لا مجرد هواية، وضع الإسلام قواعد تضبطها.
● أولاً: ألا تشغل عن الصلاة والطاعات قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾سورة المنافقون: الآية 9
فالرياضة إن صارت سببًا لضياع الصلاة تحولت من نافعة إلى آثمة.
● ثانيًا: الالتزام بالستر وغض البصر قال تعالى:
﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ سورة النور: 30
﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ سورة النور: 31
• فيُشترط للمرأة في الرياضة الستر الكامل بعيدًا عن أعين الرجال.
• وللرجل اجتناب كشف ما بين السرة والركبة وعدم لبس الضيق المثير.
● ثالثًا: ألا تؤدي إلى الخصومة والتعالي والتباغض فقد قال النبي ﷺ:
«المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ» رواه مسلم
• فإذا تحولت الرياضة لملاسنات ومشاجرات أو تعصب أعمى فقد انحرفت عن مقصدها.
والرياضة مكسب وخسارة
أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: كانت ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العضباء لا تسبق، أو لا تكادُ تَسبقُ، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها فشق ذلك على المسلمين، حتى عرفه النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: “حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعهُ”.
ولكنّ طائفة من الناس – مع الأسف – جعلوا الرياضة بابًا للصراع والتناحر بدلاً من كونها وسيلة للترفيه والتنافس الشريف، فتحولت عندهم إلى أداة للتعصب الأعمى، والتقسيم البغيض بين الناس.
وكم سمعنا عن رجال سقطوا صرعى بالجلطات والسكتات بسبب مباراة! وآخرون خسروا بيوتهم وطلقوا زوجاتهم لأجل فريق! بل ووقعت جرائم قتل وثارات نتيجة تشجيع أعمى لا يعرف عقلًا ولا هدى.
بل إن البيت الواحد أصبح منقسمًا على نفسه؛ هذا مع الفريق الفلاني، وذاك مع الفريق الآخر.
ثم لا يقف الأمر عند حدود التشجيع، وإنما يتجاوز إلى السخرية والاستهزاء، ثم الخصومات والمشاجرات، فيسقط الجرحى وربما القتلى، ضحية كرة تتقاذفها الأرجل! حتى إن بعض الدول تتغير نظرتها لبعضها بسبب مباراة لا تُقدّم ولا تؤخّر!
وهذا كلّه من ثمار الجهل وسوء الفهم، وقد حذرنا الله من الانشغال بالدنيا على هذا النحو فقال سبحانه:
﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ [الأنعام: 70].
وجاء في الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ويظهر الجهل» رواه البخاري ومسلم.
ومن العجيب أن كثيرًا من شباب الأمة اليوم يحفظ أسماء اللاعبين والفرق والدوريات حفظًا دقيقًا، بينما لا يعرف من أسماء الصح.










