رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن اللهو المباح
بقلم / المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن دينُنا العظيم ذلك الدِّين القَيِّم، كُلَّما جعلَه المؤمن محلَّ نظره، ومُختبر فِكْره وبصيرته – لهجَ لسانُه بالحمد والثناء على المبدِع الذي شرع؛ فهو دين السماحة واليُسْر، دين الوسطيَّة والاعتدال، يُلبِّي كلَّ مطالب الرُّوح، ولا يهمل أيَّ حاجة من حاجات الجسد؛ قال الله – تبارك وتعالى -: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77].
بهذا التوازن البديع فطَرَ الله الناس على مَحبَّة الترويح، وجعَلَ دينَه مسايرًا لِمَا جبل الله الناس عليه في الزمن النبوي البَهِي، والحديث في صحيح الإمام مسلم يرويه الصحابي حَنْظَلَة الأُسَيدي، وهو أحد كُتَّاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: إنَّه كان في جَمْع من الصحابة عند رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فذكَر لهم الجنة والنار، ثم عاد حنظلة إلى أهْله وولده، فضَحِك معهم ولَعِبَ، ثم: ذكر الذي كان فيه، ذَكَر الجنة ونعيمَها، وذَكَر النار وأهوالها، فخرَجَ مهمومًا محزونًا، قال: فلقِيَني أبو بكر، فقال: كيف أنت يا حَنْظَلَة؟ قلتُ: نافَقَ حَنْظَلَة، قال: سبحان الله! ما تقول؟! قلتُ: نكون عند رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رأْيُ عَيْنٍ، فإذا خرجْنا من عند رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – عافَسْنا الأزواجَ والأولاد والضَّيْعَات، فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله، إنَّا لنلقى مثل هذا، فانطلقتُ أنا وأبو بكر حتى دخلْنا على رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – قلتُ: نافَقَ حَنْظَلَة يا رسول الله، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما ذاك؟!))، قلتُ: يا رسول الله، نكون عندك تذكِّرنا بالنار والجنة حتى كأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فإذا خرجْنا من عندك، عافَسْنا الأزواج والأولاد والضَّيْعَات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي، لصافحتْكم الملائكة على فُرشكم، وفى طُرقكم، ولكن يا حَنْظَلَة ساعة وساعة)).
ساعة لآخرتك تضمن فيها عودتك سالِمًا إلى الله، تقدِّم فيها الطاعة والولاء لِمَن خَلَقك، وساعة تُرَفِّه فيها عن نفسك؛ لتستأنِفَ الطاعة بنَفَسٍ جديد، فاللهو في الإسلام لهوان؛ لهو ممدوح محمود، ولهو مَكروه منبوذ ومتروك، أمَّا اللهو الممدوح فهو لهو مُباح مشروع بحدود، ومُجمل حدوده:
• ألا تتجاوزَ بالمؤمن من الحلال إلى الحرام.
• ألا يتحوَّلَ العمر لهوًا.
• ألا يستغرقَ وقتَ المؤمن.
والغاية منه أنْ يجدِّدَ المؤمن قوَّته وعزيمته على طاعة الله، فيُقْبِل بعده على العبادة بنفَسٍ جديد، وفي قرآننا العظيم دليلٌ على جواز اللهو المباح؛ حيث عطَفه الله – جل جلاله – على التجارة، والتجارة مباحة؛ قال – تبارك وتعالى-: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ ﴾ [الجمعة: 11].
وفي سِيرة حبيبِنا – صلى الله عله وسلم – مواقفُ كثيرة تدلُّ على اللهو الحلال؛ ففي صحيح الإمام البخاري روتِ السيدة عائشة – رضي الله عنها – قالتْ: “رأيتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يومًا على باب حُجْرتي والحبشة يلعبون في المسجد، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسترني بردائه؛ أنظُر إلى لَعِبهم”.
وفي صحيح الإمام مسلم روتِ السيدة عائشة – رضي الله عنه – أنَّ أبا بكر دخَلَ عليها، وعندها جاريتان في أيَّام منًى؛ تغنِّيان وتضربان ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – مُسْجًّى بثوبه – مُغَطًّى – فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عنه، وقال: ((دعْهما يا أبا بكر، فإنها أيَّام عيد)).
فأين يكمن اللهو الحرام؟! إذا استرسلَ الأحباش في اللعب الساعة والساعات، إذا حان وقت الصلاة وتلهَّى المشاهد بالمباريات، إذا ترَكَ العمل واشتغل بالجلوس على الطرقات، إذا نصحتَه قال لك: إني أعاني من كثرة الفراغ، وهل في حياة المسلم فراغ؟ وهل في حياة المسلم وقت فارغ؟ يقول لصاحبه: تعالَ نقتل الوقتَ، والوقت هو العُمر، ورسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول وقوله في السلسلة الصحيحة: ((لا تزول قَدَما عبدٍ يوم القِيامةِ حتى يسأل عن عُمرِه فيمَ أفناه؟)).
فهل أعددتَ – أيُّها المؤمن – جوابًا لهذا السؤال، ماذا نقول لربِّنا غدًا وهو الذي أمرنا مناديًا: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]؟!
ماذا نقول لربِّنا غدًا وهو الذي أمرنا مناديًا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾ [الأحزاب: 41 – 42]؟!
أين ذِكْرُ الله في حَياة المؤمنين؟! وما تَعِب الأفراد والمجتمعات إلا من قِلَّة الذِّكْر، وما راجتْ تجارة الشعوذة إلاَّ في غياب الذِّكْر، كيف يكون للمؤمن وقتُ فراغٍ وهو في هذه الحياة عابر سبيل، وحياته في دنياه محل اختبار وامتحان، وقد نبَّهنا خالقنا ومولانا؛ حتى لا نغفل، فقال – جل وعلا -: ﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ [التكاثر : 1 – 5]؟!
﴿ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴾: انشغلتُم بالفاني عن الدائم، ألهتْكم مشاغلُ الدنيا عمَّا خُلقتُم له.
﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾: حتى حُملتُم إلى المقابر، سمَّاها الله زيارةً؛ لأنها العودة المؤقَّتة لأُمِّنا الأرض، ولأنه القائل – عز وجل -: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55].
سَمِع أعرابي هذه الآية ﴿ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴾، قال: بُعِثوا وربِّ الكعبة، فقيل له: كيف ذلك؟! فقال: لأنَّ الزائر لا بدَّ أن يرتحلَ.
﴿ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾: ستعلمون أنَّكم كنتُم في مُتَّسع من الوقت.
﴿ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾: تعلمون أنَّ طاعة الله كانتْ بين أيديكم.
﴿ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾: عِلمًا ثابتًا من غير شَكٍّ وأنَّ الذي جاء به محمد حقٌّ، وأنَّ الجنة حقٌّ، وأنَّ الصراط حقٌّ، وأنَّ الحياة الدنيا ممرٌّ، وأنَّ الآخرة هي المستقرُّ؛ جاء في “صحيح الترغيب” أنَّ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – مرَّ بقَبرٍ، فقال: ((مَن صاحب هذا القبر؟)) قالوا: فلان – صحابي من أصحابه – فقال: ((ركعتان أحبُّ إلى هذا من بقيَّة دنياكم))، يقول الصحابي عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه -: “ما ندمتُ على شيءٍ نَدَمي على يوم غربتْ شَمْسُه، نقَصَ فيه أجَلِي، ولم يَزِدْ فيه عملي”.
فاللهو الحلال حين يطول ويستهلك معظم وقت المؤمن يُصبِح لهوًا حرامًا، ومن اللهو ما هو حرام، ولو قَصُر وقتُه؛ فكل قمار حرام، وكلُّ سماع لغناء يدعو إلى فاحشة حرام، وكلُّ أمر مخالف لأمر الله حرام؛ لأنَّ الإنسان ما خُلِق ليلعبَ، إنما خُلِق ليطيعَ ويعبدَ.
اللهم اجعلْنا من عبادك الطائعين، واهْدِنا لنفعنا، وارزُقْنا ذِكْرَ الذاكرين، واكتبْنا من عبادك الصالحين.