“نعم يا أبي”
قم وجهز أمورك
إن القطار غدا في انتظارك
وإياك أن تنسى لوازم عيشك
عند الصباح مشينا
وكان القطار بعيدا
وأختي الصغيرة
تحمل في سلة ما تضيق الحقيبة عنه
أبي يتقدمنا في الطريق
وقلبي منفطر الحال
منشطر حين سالت دموعي
وأمي تحاول إخفاء دمع تحجر في مقلتيها
أتاني الصباح الذي طالما خفته
والصباح الذي طالما شاقني وانتظرت
أتاني مقتلعا عالمي
وانطوى الحلم في الذاكرة
يجرجر قلبي القطار
وخوفي من الغد والبعد يزداد
وجه أبي يتباعد خلف الحقول
وراء البيوت
أحاول إمساكه
وهو يفلت مني
فيبزغ لي وجه أمي
الدموع تسيل على وجهها
والقطار الرهيب يدوي
أحاول كفكفة الدمع
لا أستطيع
أحاول إيقاف سيل المشاهد
لا أستطيع
فيطول بنا العمر
يمتد ما بيننا من شجون
وما بيننا من حكايا
وتفلت منا الليالي سراعا
وها نحن يجمعنا حوله
والسنون الطوال على وجهه
تجاعيد عمر تقضى
يمتلئ البيت، يمنحنا عطر أنفاسه،
نبض قلب تحمل ما لا يطاق
حرارة وجدانه اللافحة
وأسأل كيف غفلنا
وقد كان يفلت منا
ذراعاه لا تقويان على ضمنا
وقد كان يمعن في البعد يوما فيوم
ويأخذه الجزر منا
ويسحب للقاع هذا البهاء الجليل
الذي يملأ البيت والقلب
كنا نظن بأن أبي نخلة لا تشيخ
امتداد إلى آخر الدهر
يسطع فوق المكان وفوق الحقول
ويوغل مخترقا في الزمان
وأنا سنلقاه دوما
كما كان
نأوي إليه
ونلتف
لسنا نحس اقتراب الرحيل
ووجه أبي ما يزال هناك
فوق سرير النهاية
يجري إليه الطبيب
ونركض نحن إليه
ونمسكه من يديه
نهز الذي قد توقف في الصدر
نبكيه
هذا هو المستحيل!
اترك تعليقك ...