الجزء ١٩ ” هناك في شيكاغو”
بقلم / هناء عبيد
سردتُ لك عن طفولتي البائسة، لم أجد منك إلّا الإعجاب، والانتباه؛ ربّما لو تحدّثت إلى فتاة غيرك لسئمت حكاية طفولتي البائسة. ما الّذي يجذب فتاة في مقتبل العمر إلى حديث رعي الأغنام وحلبها، وحكايات الفقر والبؤس والمعاناة؟
حينما حدّثتك عن والدتي كنت مصغية بكلّ حواسك، تستمعين بشغف. حسبت نفسي أنانيًّا يومها، إذ لم أعطك الفرصة للحديث عن نفسك وعائلتك. جئت في الأسبوع التّالي، واستحوذت على الحديث وحدك. حدّثتني عن والدك، فبتّ متشوّقا لرؤيته، رأيته في ملامحك وأخلاقك واتّزانك.
في أحد الأيّام أحْضَرْتُ لكِ معي مفاجأتي الّتي وعدتك بها، فكانت دهشتي بعظيم تقويمك لأعمالي. أصْبَحَتْ كلّ لوحة نالت على إعجابك تحتّل مكانًا في جدران شقّتي.
لم يكن عندك فضول لتتعرّفي على عملي وظروفي الماديّة. اكتفيت بمعرفة أنّ والدتي قامت بتربيتي، وتكفّلت بمصاريفي مع عملي الإضافيّ. لم أخبرك عن ظروف حياتي، فقد كنت أتوق لسماعك أكثر من حديثي لك. وددت أن أحضر لك هديّة قيّمة، لكنّ عملي المتواضع لم يتح الفرصة لي. أصبحت أتوق للعمل كي أكون جديرًا بك. حاولت إيجاد عمل بدوام كامل وراتب جيّد، لكن دراستي للهندسة المعماريّة منعتني من ذلك، فهي تتطلّب الكثير من وقتي. سعدت بصاحب الشقّة الّتي أسكنها حينما عرض عليّ العمل عنده. أصبحت أقلّم أشجار حديقة الباحة الأماميّة في مقدّمة العمارة، وأكنس الحوش، وأساعده في جلب الحاجات من السّوق. لم يكن الرّاتب كبيرًا، لكنّه كان يساعدني قليلًا في بعض مصروفاتي. تمنّيت أن أقدّم خدماتي إلى صاحب العمارة مجّانا كعمل تطوّعيّ كما كنت أفعل وبكر في صغرنا مع كبار السّن، لكن ما باليد حيلة.