مخاطر الجريمة المنظمة على الإستقرار الدولي ..
بقلم / د. رشا صلاح
خلال مؤتمر أقامته الجمعية المصرية للقانون الجنائي وفي جلسته الافتتاحية لندوة
“الجريمة المنظمة ” تحضيراً للمؤتمر الدولي السابع عشر لقانون العقوبات ( ٩ نوفمبر ١٩٩٧) جاءت كلمة الاستاذ الدكتور أحمد فتحي سرور متحدثاً عن ظاهرة الإجرام المنظم قائلا :.
بدأ العالم منذ فترة وجيزة يمر بمتغيرات سريعة فى جميع المجالات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وقد واكب هذه التغيرات تحول في أساليب التفكير وردود الأفعال وتغيير في أشكال السلوك وتطور فى عالم التقنيات وفي مجال الاتصال
وكان بديهياً أن ينعكس هذا التغيير على ظاهرة الجريمة بإعتبارها ثمرة لمجموعة من العوامل التي تختلف بسبب الزمان والمكان ؛ وانعكاسا للبواعث الإجرامية التي تخلفها الظروف المتغيرة وتساعد على تحقيقها الوسائل التكنولوجية الحديثة
لقد شاهد العالم فى عقد التسعينيات مفهوم العولمة بجانبيه السياسي والاقتصادي وكان من أبرز مظاهره تحرير التجارة العالمية وعولمة الأسواق المالية وقضايا التنمية الاجتماعية وحماية البيئة وحقوق الإنسان ؛ وغيرها من المشاكل التي تؤثر على المجتمع البشري وينتقل تأثيرها بشكل فوري إلى كل بقاع المعمورة
وقد تمخضت ظاهرة العولمة عن نتيجتين متعاصرتين :
الاولى: إزالة الحدود بين ماهو محلي وماهو إقليمي وما هو دولي حتى غدا العالم بمثابة قرية واحدة
والثانية : تداخل القضايا بين ماهو سياسي أو اقتصادى أو اجتماعي فلم يعد الفصل بين هذه الموضوعات امراً ممكناً . فقد صار الجميع في وعاء واحد يؤثر كل منها في الآخر ويتأثر به
وقد نجم عن ذلك رجحان مشاعر المادية والأنانية وانتشار الرغبة في التسلط والهيمنة الأمر الذي ينعكس بطريقة سلبية على مصالح الدول النامية
ومن خلال هذا المنظور امتد تأثير ظاهرة العولمة إلى دائرة الإجرام فظهرت الجريمة المنظمة بإعتبارها نمطاً من الأنماط الحديثة والجسيمة للاجرام
ومن خلال هذا المنظور امتد تأثير ظاهرة العولمة إلى دائرة الإجرام فظهرت الجريمة المنظمة بإعتبارها نمطاً من الأنماط الحديثة والجسيمة للاجرام
وفي هذا الإطار، يأتي التقرير المُعنون:
“القوى الإجرامية الجديدة : نفاذ الأنشطة غير المشروعة إلى السياسة في جميع أنحاء العالم وسُبل مواجهتها”
وهو تقرير صادر عن وحدة أبحاث النزاعات “CRU”
يركز التقرير على
تطور “الجريمة المنظمة” حول العالم، والمخاطر المتعددة الناجمة عن ذلك على الاستقرار الدولي، وذلك في إطار استعراض المؤشرات الدالة على تصاعد قوة الشبكات غير المشروعة ونفاذها إلى عالم السياسة وصولاً إلى تقديم بعض المقترحات التي تهدف إلى الحد الفساد والجريمة المنظمة في العالم.
كما يشير التقرير إلى أن الجريمة المنظمة قد شهدت تغيُّرات جوهرية على مدى العقود الثلاثة الماضية، حيث كانت في شكلها الأولِّي خلال القرن العشرين عبارة عن مجموعة من المافيات والعصابات
ولذا كان يُنظر إليها في الغرب باعتبارها مجرد جرائم ترتبط مواجهتها بجهود الشرطة والمحاكم فقط.
ولكن منذ نهاية الحرب الباردة أصبح النشاط الإجرامي ذا تأثير بالغ على أمن الدول والتنمية الاقتصادية بها.
وخلال فترة التسعينيات من القرن الماضي أصبحت الجريمة المنظمة أكثر قوة وخطراً في ظل توفر موارد ضخمة للشبكات المتورطة فيها، وكثرة عدد المجندين بها مع وجود دول ضعيفة أو هشّة، وهو ما أدَّى، على سبيل المثال، إلى زيادة العنف في أمريكا الوسطى، وتحويل أجزاء في مالي والنيجر إلى مراكز للأنشطة غير المشروعة وبالتحديد الإتجار في المخدرات والبشر.
ونبع التغيُّر في طبيعة الجريمة المنظمة، خلال السنوات الماضية، من ارتباطها بالسياسيين والمسؤولين، مثلما هو الحال في أوكرانيا وجواتيمالا
وأثبتت هذه الأنشطة غير المشروعة أنها قادرة على التكيُّف مع النظام الدولي المتسارع وما يرتبط به من معاملات مالية وقانونية وهو ما يتطلب ضرورة وجود منظومة متعددة الأطراف لمواجهة الجريمة المنظمة وتنسيق الجهود الدولية الرامية إلى الحد منها، خاصةً في ظل اعتماد الجماعات الإرهابية على العائدات التي تأتي من تلك الأنشطة غير المشروعة.
و”الجريمة المنظمة” محدداً مهماً من محددات تحقيق الأمن والتنمية في البلدان المختلفة
ناهيك عن تأثيرها بشكل كبير على الرأي العام، مثلما حدث في المكسيك عندما تم خطف ٤٣ طالباً العام الماضي، وهو أثار استياء الرأي العام المكسيكي ودفع الآلاف إلى تنظيم تظاهرات، في ظل غياب معلومات واضحة عن مصير هؤلاء الطلاب.
وفي أوكرانيا، ساد سخط شعبي كبير في عام ٢٠١٣ بعد تهريب ١٠٠ مليار دولار خارج البلاد في ظل حكم الرئيس “فيكتور يانكوفيتش”، وهو ما عكس الفساد الكبير في مؤسسات الدولة، وأكد تشابك الجهات المتورطة في الجريمة المنظمة، من القطاع الخاص والقطاع العام والمسؤولين الحكوميين.
ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية عام ٢٠١٣ بشأن قياس الفساد بالمؤسسات المختلفة في ١٠٧ دولة حصلت الأحزاب السياسية على أكبر درجات الفساد مقارنةً بباقي المؤسسات وكانت متقاربة للغاية مع مؤسسات (الشرطة الجهاز الإداري للدولة، البرلمان، والقضاء) وهو ما يعكس درجات ثقة أقل من المواطنين تجاه هذه المؤسسات
بينما كان الجيش ومنظمات المجتمع المدني أقل المؤسسات فساداً.
وفي استطلاع رأي
أجراه “مركز بيو للأبحاث” في عام ٢٠١٤ عن أخطر القضايا التي تواجه مناطق مختلفة في العالم من وجهة نظر مواطنيها فقد كشفت نتائج الاستطلاع في بعض دول الشرق الأوسط على سبيل المثال عن تصدر الجريمة والفساد بمتوسط ٦٧ % و ٧١ % على الترتيب، كأكثر القضايا التي تثير قلق ومخاوف المواطنين، مقارنةً بالأمور الخدمية الأخرى ذات الصلة بالتعليم والصحة والمياه والكهرباء والتلوث.. إلخ.
وفى النهاية
يحذر التقرير من تزايد دخل شبكات “الجريمة المنظمة” بشكل مطرد على مدى العقدين الماضيين وقد تعزز ذلك من خلال تنوُّع مصادر هذا الدخل بين تهريب المخدرات، والإتجار بالبشر، والاستخدام غير المشروع للموارد الطبيعية، بالإضافة إلى عمليات الخطف والابتزاز التي تنامت بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة