900
900
مقالات

معطف الأمطار الدافئة

الحلقة رقم ٩

900
900

بقلم / سلوى مرجان

أشعر بالبرودة وكأن أحدهم فتح النافذة، لا أستطيع أن أتحرك من شدة البرد، أسمع صوت هدى بجانبي تثرثر، يختلط الحلم بالواقع ويصيبني الجاثوم فأحاول أن أصرخ أو أتحرك بلا جدوى، أسمعهم يقولون أن فيروز بالأسفل، كيف ؟! هل عادت من الموت؟! أم أنها لم تمت؟!، ربما كل هذا حلم……. وتزداد البرودة…….
أخيراً فتحت عيني، كل شيء هادئ، والفتيات يرتدين ملابسهن ويمشطن شعرهن، بينما كانت هدى تجلس في سريرها تبكي بحرقة، اقتربت منها وقلت مواسية لها:
– أعرف كم كنت تحبين دعاء، ودموعك لن تعيدها.
نظرت لي من بين دموعها ولم ترد، فربتت على كتفها ونزلت لأتناول الطعام.
في الأسفل لم يكن الأمر على ما يرام، فبمجرد أن نزلت كانت أمي تقف مع الضابط، وأشارت له ناحيتي وقالت:
– ها هي ابنتي كاميليا.
طلب مني الضابط أن نجلس في الغرفة، فنظرت لأمي أستأذنها، فأومأت لي بالموافقة، وعندما دخلنا الغرفة أغلق الباب وأشار لي لأجلس، وبمجرد جلوسي سمعت صرخة أذني لا تخطئها، فنظرت للضابط ، لكنه بدأ كلامه كأنه لم يسمع شيئا:
– ما علاقتك بأمك وأخوتك في الدار؟
– جيدة.
– لكنني سمعت أنك الوحيدة التي لا تختلط بأحد!
– غير صحيح، فقد كانت فيروز صديقتي المقربة.
– كانت؟!
– نعم، لقد تركت الدار.
ومن هي صديقتك الآن؟
– أحب هدى.
ثم سألته بدهشة:
– لماذا تسألني أنا هذه الأسئلة دون باقي الفتيات.
– لأن مديرة الدار تقول أنك سبب انتحار دعاء.
هتفت بفزع:
– أنا؟! وماذا فعلت؟
– تقول أنك تسيرين بالليل وتثيرين الفزع في قلوب الفتيات، تختبئين وتصرخين وتفتحين النوافذ في هذا البرد.
ازداد صراخي وصحت:
– أنا؟! ولم أفعل هذا، وهل كانت أمي ستتركني لأفعل بهن ما تقول.
– أنا الذي أسأل.
فتحت فمي لأنطق فعادت الصرخة مرة أخرى، وسمعت بصوت واضح الصوت يقول:
أخرجيني من هنا يا أمي، أرجوك سأموت.
فنظرت للضابط الذي لم يبدو عليه أنه سمع، وسألته:
– هل سمعتها؟
– من هي؟
– الفتاة.
– أية فتاة ؟
– التي كانت تصرخ.
وهنا وقف في مكانه ونظر لعيني مباشرة وسألني:
– هل سمعت صوتاً؟
– نعم، ألم تسمعه ؟
– أنت إذا كما قالوا….
لم يكمل وفتح باب الغرفة ونادى على أمي، وعندما اقتربت همس لها بصوت خفيض لم أسمعه.
بعدها قالت أمي بابتسامة واسعة لي:
– حبيبتي تناولي طعامك الآن.
عندما جلست على الكرسي كانت هدى تجلس إلى جواري وما زالت عيناها مملؤتين بالدموع، ملت ناحيتها وسألتها بهمس:
– هدى، ألم يسبق لك أن سمعت صوتاً يصرخ.
نظرت لي طويلاً ولم تجب، نظرت لباقي الفتيات فكن يثرثرن ولا ينظرن ناحيتي، فعدت أسأل:
– أخبريني فقط، نعم أم لا؟!
ظلت تحدق بي واستمر صمتها، فنظرت إلى طعامي بيأس وتناولته، وبعدما انتهيت قمت إلى عملي، فقد كان عندي هذا اليوم الطفل فؤاد.
حاولت أن أنهي معه الدرس بسرعة لأذهب لأسامة وأخبره بما حدث، وعلى باب بيت الطفل فؤاد وأنا أرتدي معطفي وأهم بالخروج نظرت للمرآة وتأملتني لثوان، فقالت والدة فؤاد باسمة:
– أنت جميلة جدا معلمة كاميليا.
المعلومة كانت جديدة بالنسبة لي، لم يسبق وأخبرني أحد بذلك، فسألتها بخجل:
– حقا أم تجامليني؟
رفعت حاجبها بدهشة وقالت:
– أجاملك؟! ألا تنظرين في مرآتك كل صباح؟! شعر أسود كشعر الخيل، وعينان كحيلتان، وشفاه وردية لم يحدث ولونتيها أبدا.
ابتسمت بفرحة كبيرة وتمتمت شاكرة، ثم ودعتهم ونزلت، كانت كل الأموال التي أدخرها من وراء أمي أستعملها في ركوب الأجرة، لكي يتبقى دوما وقت أفعل فيه ما أريد.
وعندما وصلت لبيت لورين حمدت الله أن سيارة أسامة موجودة، طرقت الباب وفتح هو لي، استقبلني بسعادة ممزوجة بالدهشة والخوف وسألني:
– هل حدث لك مكروه؟
فطلبت منه أن نخرج ونتحدث، فقال:
– رشيد سيفتح لك السيارة، اجلسي بها حتى أبدل ملابسي.
وبعد دقائق كان يقود السيارة في شوارع واسعة وجميلة لأول مرة أراها، وسألني بغتة:
– هل حاولت البحث عن والديك؟
– لا.
– لماذا ؟
– أخشى أن أجدهم.
– لماذا ؟
ماذا أقول له الآن، هل أخبره أن أمي تقول أنني ابنة حرام، لذا فلا داعي للبحث، لماذا يسأل الآن ؟
لكنه لم يتركني وأصر قائلا:
– احكي لي عن ملفك في الدار.
– رأيته مرة واحدة فقط، كان به صورة لي عندما وجدوني، كنت تقريبا في الرابعة من عمري.
الرابعة ؟!
– هذا معناه أنك تائهة أو مخطوفة.
– أو ربما……..
– لا يا كاميليا ليس هناك ربما، أربع سنوات معناها أنك كنت تعيشين مع عائلة، ألا تذكرين أي شيء ؟
– لا.
أوقف السيارة ونظر لي وعاد يبتسم بحنان ثم سألني:
– ما الرياح الطيبة التي أرسلتك لي اليوم؟
قصصت عليه كل ما حدث منذ الصباح ، فبدا القلق على وجهه، وسألني كمحقق:
– سمعت الصوت وحدك؟
– هكذا قال الضابط.
– وهل فعلاً تسيرين وأنت نائمة؟
– بالطبع لا.
– وكيف تعرفين أن ذلك لا يحدث؟
– هل تقصد أنني مجنونة؟
– لا أقصد شيئا، لقد كنت أصدقك في مسألة الصراخ والقبو ولكن بعد هذا الضابط الذي لم يسمع الصراخ الواضح كما تقولين…….
لم أصدق أذني وهتفت به:
– ألا تصدقني أنت أيضاً ؟
– اهدأي يا كاميليا فأنا لم أقل ذلك، ولكن ليس هناك تفسيراً لما حدث.
– أنا لست مجنونة
– ربما أعصابك متعبة من الضغوط التي مررت بها.
لا أصدق نفسي، هل أتحدث مع أسامة أم شخص آخر في هيئته، كيف يخذلني بهذه الطريقة وأنا التي جئت لأحتمي به وأشكو له، فتحت باب السيارة وأطلقت ساقي للرياح، ولم أهتم بندائه لي، بل أسرعت أكثر وأكثر وعزمت على ألا أعود أبداً له أو للدار.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى