مقالات

التجربة الإسكندنافية

بقلم / فاتن يعقوب

تظهر التجربة الإسكندنافية أنّ معظم العلاقات الناجحة بين الرجل والمرأة تتّسم بالمحافظة على النوم السليم. ذلك يعني مشاركة الزوجين الغرفة نفسها والسرير نفسه مع غطاء منفرد لكلّ منهما.
تقليد النوم هذا ليس اختراعاً اسكندنافيا جديداً ولكنه عرف قديم تناقلته الأجيال عبر الزمن بدون دراسة أو بحث يحثّ على ذلك. ولكن الباحثين في الغرب المهتمين بنسبة الإنفصال أو الطلاق المتدنية في البلدان الإسكندنافية (النرويج، الدنمارك، السويد) ونقيضها في البلدان الأخرى التي لا تتبع النظام نفسه في النوم—وجدوا علاقة مباشرة بين عادات النوم السليمة ونجاح علاقة الزوجين بشكلٍ عام.
في المقابل، تنتشر ظاهرة جديدة في الغرب تشجّع على انفصال الزوجين بالنسبة لموضوع النوم؛ ينام الرجل في غرفة خاصة وتنام الزوجة في غرفة منفردة. وتتزامن هذه الظاهرة مع ارتفاع نسبة الطلاق عند المتزوجين حديثاً وخاصة ذوي الفئة العمرية الشابة.
ولكن ماذا تعني كل هذه الأبحاث والقراءات؟ من الواضح أنّ علاقة الرجل بالمرأة قد اختلفت وبشكل كبير في العقد الأخير وجاء الوباء ليكشف الخلل القائم في توازن العلاقات. وذلك لأنّ فكرة الوباء والخوف من الإنقراض أو نهاية الكون قد أسست لنوع جديد من الأنانية الإنسانية المدمرة وفي بعض الحالات المضطربة أصلاً أدّت إلى النرجسية المرضية. أصبح عنوان الخوف من الآخر وعلى الآخر هو الابتعاد عنه والتخوّف منه.
و كانت الثورة التكنولوجية الوسيلة الأسهل والأقل تكلفة لفرض النظام العالمي الجديد على كل الصعد لا سيّما علاقة المرأة بالرجل ضمن مؤسسة الزواج وتأسيس الأسرة.
تضخيم الأنا الناتج عن تلك التغيّرات السريعة سارع في هدم المبادىء الأساسية المطلوبة لنجاح مؤسسة الزواج. ولا ننسى طبعاً الحملات الكبيرة التي سبقت ذلك والتي تطالب بالمساواة بين الرجل والمرأة وتنادي بأهمية الاستقلالية وخاصة للمرأة. أصبحت عبارة strong independent woman محور الإعلام والإعلان وأكثر القصص بيعاً في الدراما والسينما.
ليس المقصود هنا أن نسلب المرأة أيّ حقوق إنسانية بديهية ولا أيّ حقوق مدنية حصلت عليها بعد جهد ومثابرة. وليس المقصود أن نرجع الرجل إلى مكانة “سي السيد”. ولكن علينا الالتفات إلى حقيقة الأمر وهو أنّ المرأة والرجل يختلفان بطبيعتهما البيولوجية والنفسية والشخصية وأننا لا يمكن أن نساوي بين مختلفيْن. شعارات النسوية المستحدثة والمبالغة بمبدأ المساواة بالإضافة إلى تأثيرات الثورة التكنولوجية لعبت دوراً كبيراً في تدمير مبدأ الزواج والمشاركة المطلوبة من الطرفين لإنجاحه.
عندما تضعف المرجعية الثقافية ويستأثر مفهوم الأنانية في علاقة تنشأ بالضرورة بين متحابيْن، يكون الفشل هو النتيجة الحتمية لفكرة الزواج.
وإن عدنا إلى ارتباط النوم السليم عند الأزواج الاسكندنافيين بنجاح واستمرار الزواج عندهم، لرأينا أنّ المشاركة ضرورية بين الزوجين مع إعطاء الآخر مساحة كافية يرتاح فيها فيعطي أكثر في المواقف غير المريحة التي يتعرض لها الأزواج.
لنعتبر الزواج مشاركة فعّالة بين اثنين قرّرا إدارة حياة مشتركة ناجحة عنوانها التفاهم والمودة والاحترام وليس المنافسة والندية والاستقواء. ولنتعلّم من التجربة الاسكندنافية أنّ إعطاء المساحة المريحة للشريك أفضل بكثير من المشاركة بما هو مريح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى