حمدي حسن عبدالسيد يكتب : لماذا يغيب الإمتنان في قلوب الأبناء تجاه آبائهم

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم، وتحوُّل القيم داخل الأسرة، لاحظ كثير من الآباء شعورًا بالجفاء من أبنائهم، بل ونقصًا في الامتنان والتقدير، رغم سنوات من الكفاح والتضحيات.
وهو ما يطرح تساؤلًا جوهريًا: لماذا لا يُظهر الأبناء الامتنان لآبائهم كما كان في السابق؟
اختلاف الأجيال.. وتبدُّل المفاهيم
لا شك أن الفجوة بين الأجيال تلعب دورًا كبيرًا في هذه الظاهرة؛ فالآباء تربّوا على قيمة “التضحية من أجل الأسرة”، بينما نشأ الأبناء في عصرٍ يُعلي من قيمة “الحقوق” و”الاستحقاق”، دون ربط مباشر بما بُذل من أجلهم.
هذا التباين يجعل الكثير من الأبناء ينظرون لتضحيات آبائهم على أنها أمر بديهي، لا يستوجب الامتنان أو الشكر.
الحب الصامت… لا يكفي
يخطئ بعض الآباء حين يظنون أن “الواجبات” المادية من مأكل وملبس وتعليم كافية للتعبير عن الحب، دون حاجة إلى كلمات أو مشاعر حانية.
لكن الأبناء – لا سيما في عصرنا – يحتاجون إلى تعبير مباشر عن المشاعر، يحتاجون إلى احتواء وكلمة طيبة.
غياب هذا التواصل العاطفي يُنتج فجوة لا يسهل ردمها، ويؤدي إلى غياب الشعور بالتقدير.
التربية القاسية تترك جروحًا
حين يُربى الأبناء بأسلوب قاسٍ أو سلطوي، فإن الألم الذي يتركه ذلك الأسلوب قد يطغى على أي مشاعر امتنان مستقبلية.
بل قد يكبر الأبناء وهم يحمّلون آباءهم مسؤولية جراح نفسية لم تُلتئم، فيتحول التقدير إلى جفاء، ولو عن غير قصد.
ثقافة “الاستحقاق” لا “العرفان”
في عصر السوشيال ميديا والنماذج الغربية، أصبحت ثقافة “أنا أستحق” أكثر انتشارًا من ثقافة “أنا ممتن”.
وبذلك يتعامل الأبناء مع ما يقدم لهم باعتباره “حقًا”، لا “هبةً”، مما يضعف شعورهم بالعرفان لمن أعطاهم دون مقابل.
متى يظهر الامتنان؟
اللافت أن مشاعر الامتنان كثيرًا ما تتأخر، ولا تظهر إلا بعد فوات الأوان.
حين يغيب الأب، أو يُصبح الابن أبًا ويذوق طعم المعاناة، يدرك فجأة كم كان أبوه عظيمًا في صمته وتعبه، ويبدأ في الندم على لحظات مضت دون كلمة شكر واحدة.
كلمة أخيرة:
الامتنان ليس تلقائيًا، بل يُزرع بالتربية، ويُغذى بالمحبة، ويُعبر عنه بالحوار والاحتواء.
وعلينا – آباءً وأبناءً – أن ندرك أن الكلمات الطيبة، والاعتراف بالجميل، ليست ضعفًا بل سموًّا إنسانيًا يعيد دفء العلاقة داخل الأسرة.
“علّموا أبن هواءكم كيف يشكرون، فإن أجمل ما يردّ الجميل هو الاعتراف به.”
كاتب وباحث في الشؤون المجتمعية والثقافية










