رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن حفظ الأسرار
بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
السر: هو كل ما يكتمه الإنسان ويخفيه في نفسه، فلا يخبر به أحدًا؛ وذلك لجلب مصلحة أو لدفع ضررٍ، ويمكن أن يخص بالسر من يثق به من الناس؛ [المفردات، للراغب الأصفهاني، ص: 404، الكليات، للكفوي، ص: 514].
حفظ الأسرار وصية رب العالمين:
حفظُ أسرار الناس أمانة عظيمة، يجب على المسلم الوفاء بها، ولقد أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز بالمحافظة على الأسرار.
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34]
إن حفظ أسرار الناس التي ائتمنوا المسلم عليها، وطلبوا منه عدم نشرها، نوع من أنواع العهود التي يجب على المسلم الوفاء بها، والمحافظة عليها لأصحابها.
قال الشيخ أحمد عبدالمتعال رحمه الله: “إن من دأب الصالحين حفظ السر؛ لأن حفظ السر من تمام الوفاء بالعهد، وهو من صفات المؤمنين”؛ [زاد المسلم اليومي، أحمد عبدالمتعال، ج: 2، ص: 171].
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].
قال الشيخ عبدالعزيز السلمان رحمه الله: “من معاني الأمانة: حفظ الأسرار التي لا يرضى أهلها أن تُذاع، فكم من أضرار على الأبدان والأموال والأعراض حصلت بإفشاء الأسرار”؛ [موارد الظمآن، عبدالعزيز السلمان، ج: 3، ص: 529].
نبي الله يعقوب يأمر يوسف بكتمان الرؤيا:
قال الله تعالى حكاية عن نبيه يعقوب: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5].
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قصَّ عليه ما رأى من هذه الرؤيا، التي تعبيرها خضوعُ إخوته له، وتعظيمهم إياه تعظيمًا زائدًا، بحيث يخِرون له ساجدين إجلالًا وإكرامًا واحترامًا، فخَشِيَ يعقوب عليه السلام، أن يحدِّث بهذا المنام أحدًا من إخوته فيحسدوه على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسدًا منهم له؛ ولهذا قال له: ﴿ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾ [يوسف: 5]؛ أي: يحتالوا لك حيلةً يردونك فيها”.
ثم قال الإمام ابن كثير رحمه الله: “ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر”؛ [تفسير ابن كثير، ج: 4، ص: 371].
نبينا صلى الله عليه وسلم يوصينا بحفظ الأسرار:
(1) روى الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود))؛ [حديث صحيح، صحيح الجامع، للألباني، حديث: 943].
قوله: ((استعينوا على إنجاح الحوائج))؛ قال الإمام عبدالرؤوف المناوي رحمه الله: “أي: كونوا لها كاتمين عن الناس، واستعينوا بالله على الظَّفَر بها، ثم علل طلب الكتمان لها بقوله: ((فإن كل ذي نعمة محسود))؛ يعني: إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم”؛ [فيض القدير للمناوي، ج: 1، ص: 630].
روى أبو داود عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المستشار مؤتمن))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود، حديث: 4277].
قوله: ((المستشار مؤتمن))؛ أي: أمين على ما استُشير فيه، فمن أفضى إلى أخيه بسره وأمنه على نفسه، فقد جعله بمحلها؛ فيجب عليه ألَّا يشير عليه إلا بما يراه صوابًا، فإنه كالأمانة للرجل الذي لا يأمن على إيداع ماله إلا عند ثقة، والسر قد يكون في إذاعته تلف النفس، وأولى بألَّا يُجعل إلا عند موثوق به؛ [فيض القدير للمناوي، ج: 6، ص: 348].
احتفاظ الإنسان بالأسرار:
(1) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “من كتم سره كانت الخيرة في يديه، ومن عرَّض نفسه للتهمة، فلا يلومن من أساء به الظن”؛ [الصمت، لابن أبي الدنيا، ص: 311].
(2) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “سرك أسيرك فإن تكلمت به صرت أسيره”؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 306].
(3) قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: “ما وضعت سري عند أحد أفشاه عليَّ فلُمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه”؛ [الصمت، لابن أبي الدنيا، ص: 214].
(4) قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: “القلوب أوعية الأسرار، والشفاء أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتاح سره”؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 308].
(5) قال ذو النون المصري رحمه الله: “صدور الأحرار قبور الأسرار”؛ [حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني، ج: 9، ص: 377].
(6) قال الإمام الماوردي رحمه الله: “كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح”؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 306].
(7) قال بعض الحكماء لابنه: “يا بني، كن جوادًا بالمال في موضع الحق، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق؛ فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر، والبخل بمكتوم السر”؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 306].
( قال بعض الأدباء: “من كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه”؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 306].
(9) قال بعض الحكماء: “انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزِل، ولا جاهلًا فيخون”؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 307].
(10) قال بعض الحكماء: “سرك من دمك فإذا تكلمت به فقد أرَقته”؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 307].
(11) قال بعض الحكماء: “من أفشى سره كثر عليه المتآمرون”؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 309].
(12) قال بعض الحكماء: “أملك الناس لنفسه أكتمهم لسره من أخيه”؛ [الأمثال، زيد عبدالله الهاشمي، ص: 32].
(13) قال بعض الحكماء: “أصبر الناس من لا يفشي سره إلى صديقه؛ مخافة التقلب يومًا ما؛ [غذاء الألباب، للسفاريني، ج: 1، ص: 117].
(14) قال بعض الأدباء الحكماء: “ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدِم عليها: شرب السم للتجربة، وإفشاء السر إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقةً، وركوب البحر وإن كان فيه غنًى”؛ [غذاء الألباب، للسفاريني، ج: 1، ص: 117].










