د. محمد كامل الباز يكتب : ما لله وما لقيصر
(أهمية الأخلاق والعمل بين مجتمعات الشرق وحياة الغرب)
العمل شىءٌ هام فى حياتنا بل من أهم وسائل العيش والحصول على الرزق، غالباً عند تقييم أى شخص فى المجتمع يتم يُستفسر أولاً عن تعليمه والعمل الذي يقوم به، لكن هل مقياس رقي أى شخص هو العمل فقط دون النظر لأى شىء أخر؟،
أعنى هل مايسرى فى أوروبا وامريكا من ترتيب الأشخاص حسب النجاح فى العمل من الممكن أن يسرى فى مجتماعتنا؟،
هناك تستطيع أن تتعامل مع زميلك الملحد الذى تري منه جهاراً نهاراً الكفر والتشكيك فى الخالق بنفس الطريقة التى تُعامل بها زميل أخر حسن الخلق والدين لمجرد أن الأول مهتم بعمله على أكمل وجه؛
سؤالي بطريقة أخرى، هل وجود موظف عندك سىء الخلق ويفعل كثير من الموبيقات لكنه يعمل بجد ويخرج لك أفضل منتج كفيلٌ بتجاهل أى أخطاء أخلاقية عنده والتغاضي عنها فى سبيل إتمام العمل بسلام، للأسف لم يستطع عقلي تقبل تلك النظرية المستوردة كاملةً من الغرب والتى فى اختصار تؤكد أنه لا عواطف فى العمل ولا أخلاق أيضا.
لا يهمنى من يعمل عندى فى الشركة هل هو سكير، زاني، شاذ، سيىء الخلق….، لا يعنيني هذا من قريب أو بعيد مادام هذا الشخص سوف يعطي لي العمل على أكمل وجه فلا دخل لي بحياته الشخصية وإن كانت الحقيقة أن المباديء لا تتجزأ فمن يضمن لك أن هذا السكير أو المقامر ….الذى يفعل كافة الرذائل بالليل أن يصون العمل والعهد معك بالنهار؛
إن المحرك الأساسي لاتقان عمله معك المادة والاستمرار فى إطار ذلك العمل وليست الأخلاق أو الأمانة وإلا فهل يمكن أن تستأمن أحد خان أمانته مع خالقه، هل من الممكن أن تعط ثقتك لفرد تقض عهده مع من يرزقه ويطعمه؟
إن مشكلة الفصل بين الأخلاق والسلوك وبين إتقان العمل أمر ليس سهل ولن يستطع المجتمع العربي تقبله بنفس الطريقة التي تقبله بها الغرب، شئت أم أبيت لن يتعامل الناس فى الشرق مع أى شخص ناجح فى عمله عليه بعض الملاحظات الشخصية بطريقة طبيعية وإلا لما خسر محمد صلاح أكثر من مليونى متابع على الانستجرام فى غضون أيام نتيجة رفض العالم العربي تصرف الاعب عند صموته عن التعليق على أحداث غزة الاخيرة،. الاعب كان متفوق فى نفس الفترة مع فريقه لذلك لم يكن غضب الناس منه له علاقة بعمله ونجاحه، لكن المواطن لم يستطع الفصل بين صلاح الاعب المجتهد وبين صلاح الذى رفض التعليق عن المجازر التى تُرتكب فى غزة.
الحقيقة أنه لا يوجد فاصل كما يفعل الغرب بين الأخلاق وبين التميز فى العمل فلم ولن يكون التفوق فى العمل صك مباشر لتقبل الشخص دون النظر لتصرفاته الشخصية؛
وإلا لما ذهب المصطفى صلى الله عليه وسلم للتأكيد دائماً على حسن الخلق حين قال ( إنما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق) فلا فصل بين الخلق والعمل، لم يعتمد النبى صلى الله عليه وسلم علي التخصص وإتقان العمل فقط فى كل أركان الدولة بل كان ولابد من وجود خلق حسن ودين صلب يوازن تلك الكفة، ولذلك عهد للخلافة من بعده لاتقي رجل فى الأمة وهو الصديق الذى اجمعت الروايات أنه أشار له بالخلافة فى عدة مواقف قبل وفاته صلى الله عليه وسلم، منها أن يؤم المسلمين بدله أثناء مرضه، يفتح باب المسجد الحرام ناحيته، كان وزيره الأول ومستشاره الدائم، لذا كان لزاماً مع الاتقان والتفوق فى العمل الشرط الأهم وبطاقة المرور وهى حسن الخلق وإلا فقد تساوي الكثير مع الصديق فى مهارة العمل وقوة الإدارة وعلى رأسهم فاروق الأمة ولكن تميز عنهم الصديق فى الشق الايماني والأخلاقي، وصدق النبى الكريم حين قال( ما من شىء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق)،
لم يقل ( من إتقان العمل ). فليكن المعيار الأهم للحكم ليس النجاح فى العمل ولكن النجاح فى الاخلاق والدين وإلا لو احتكمنا للعمل فقط سنفقد الكثير مثلما فقد هذا العالم الغربى، حيث كان عالم متفوق فى العمل والجد ولكنه راسب فى مجال الاخلاق والادب، عالم كاذب يدعي الانسانية والحرية ويتغاضي عما يحدث فى غزة، فلو كان ذلك نتاج مجتمع مخلص فى عمله فلا حاجة لنا فى هذا الإخلاص ولا عائد لنا من هذا العمل.
لن نقول مثل قولهم (مال لله لله وما لقيصر لقيصر) ولكن سنقول (ما لقيصر وما لله كله لله).