بقلم / سلوى مرجان
آن لي أن أقدم الشاه للذئاب على مائدة الغابة السحرية.
أجلسوني في غرفة ذات سريرين، السرير الثاني لم يكن به أحد عندما دخلت، بقيت هناك لا أفكر بشيء، فقط أتأمل كل ما حولي وأشعر بسعادة غامرة لا أعرف سببها، ربما لأنني تخلصت أخيرا من الدار ولن أعود لها،
تمام الثامنة مساءً طرق أحدهم الباب، ثم دخلت سيدة بصينية عليها طعام، لم تنظر لي على الإطلاق بل وضعت الطعام أمامي وخرجت ، وحينما هممت بتناوله عاد الباب يدق ثم ظهر الطبيب وخلفه مديرة الدار .
جلست المديرة أمامي على السرير المقابل وقالت:
– كيف حالك الآن يا كاميليا ؟
– بخير يا سيدتي.
– سيدتي؟! أنا أمك.
لم أرد عليها، فنظر لي الطبيب وقال:
– الطاعة تختصر الأيام يا كاميليا.
– ليس هناك طاعة أكثر مما فعلت.
– سيعود الضابط مرة أخرى ويسمع ما قلتيه في السابق.
– ومتى سأخرج؟
– تقفل تلك الصفحة وتخرجين فوراً، ألا تريدين الحرية ؟
لم أرد، فأشار للمديرة وخرج من الغرفة، فاعتدلت الأخيرة ونظرت لي بود وقالت:
– حسنا يا كاميليا، عندما تعودين للدار سيكون لك وضع مميز بين الجميع.
لم أجبها بكلمة، فعادت تقول:
– هدى معي بالخارج وتريد أن تراك، لقد سمحت لها بذلك من أجلك أنت فقط.
قامت من مكانها وفتحت الباب لهدى التي دخلت وجلست إلى جواري، بينما وقفت المديرة أمامي تنظر لي بقوة، فقالت هدى:
– لماذا أنت هنا؟
– يظنون أنني في حاجة إلى علاج؟
– ماذا فعلت؟
– لا شيء.
– يمكننا أن نسألهم.
هنا تكلمت المديرة قائلة:
– ستخرج بعد أيام قليلة وتعود إلينا، هم فقط يستفسرون عن مواضيع خاصة بالدار.
قالت هدى:
– ولم كاميليا ؟! إنها أقلنا كلاما وأكثرنا طاعة.
قالت المديرة بغلظة:
– لا تثقليها بالأسئلة يا هدى، والآن لقد اطمأننت عليها، لنعود إلى الدار.
نظرت لي هدى نظرة طويلة أفهمها جيدا، فقلت لها:
– أنا بخير يا هدى.
فتحركت معها وهي لا تفهم شيئاً.
نمت تلك الليلة بهدوء لم أعرفه طوال حياتي، نمت وأنا لست خائفة من شيء، نمت وأنا مطمئنة أنني سأمضي أخيراً بعيدا عن الدار.
وفي الصباح بعدما تناولت الإفطار جلست قليلاً في الحديقة، وحضر الضابط وجلس بجانبي وقد بدأ ودودا على غير العادة وقال:
– حسنا…سمعت أنك اعترفت أنك السبب في انتحار دعاء؟!
– نعم.
– ولم أنكرت قبل ذلك؟!
لم أجبه، فعاد يسأل:
– وأنت أيضاً السبب في انتحار فيروز صديقتك؟!
– نعم.
– كيف؟
– أخبرت صاحب الفندق أنها فتاة سهلة؟
– لماذا ؟
– ليراودها عن نفسها.
– ومن أدراك أنه كان يريدها؟
لم أرد، فعاد يسأل:
– متى عرفت أن نجاة ابنة المديرة ؟
– منذ مدة.
– وكيف عرفت؟
– رأيت بعض الأوراق.
– أي أوراق ؟! لا توجد أوراق تقول أنها ابنتها.
– نسيت، سمعت أمي وهي تخبر أحدهم.
– لكن نجاة لم تهرب كما قلت .
– بل هربت وتزوجت.
– ربما.
صمت قليلاً ثم عاد يقول:
– وكيف ساعدت نجاة على الهرب؟
لم أرد، فظل يحدق بي، وأخيراً قال:
– كيف تعاملكم الأم؟
– بصورة طيبة.
– منذ متى تعملين؟
– عام ونصف.
– كم ادخرت؟
– لم أدخر بعد.
– ماذا تفعلين بنقودك إذا ؟
– تأخذهم أمي من أجل الطعام.
– أعلم أنك وفيروز رحمها الله الوحيدتان اللتان نلتما تعليما جيدا جدا.
– نعم، وكذلك نجاة ودعاء.
– والغريب أنه لا واحدة منكن بقيت في الدار، الأولى اختفت والثانية والثالثة انتحار والأخيرة هنا، كيف ترين الأمر؟
– أنا السبب في كل هذا.
– هل كنت تغارين منهن؟
– ربما.
– ولكنك الأجمل والأكثر ثقافة.
– جميعنا مثقفات.
– إن ثبت الأمر عليك سوف تتلقين العلاج وبعدها ستخرجين، ولكن إن كانت هناك يد أخرى فلن يكون الأمر بهذه البساطة.
– بمعنى؟
– نجاة.
– لا أعلم عنها شيئا بعد هروبها.
سألني بغتة:
– ما شكل صاحب الفندق؟
– لا أذكر.
– سمين أم نحيف؟ طويل أم قصير، أسمر اللون أم أبيض؟
– لا أذكر.
قام فجأة وتركني.
بقيت مكاني لساعات لم أعدها، حتى مر الطبيب بي أثناء خروجه وقال:
– منذ ساعات وأنت هنا، ألا تشعرين بالبرد؟
نظرت إلى المعطف الذي أهدانيه أسامة وقلت :
– هذا المعطف يحيل الشتاء إلى دفء وأمان.
ضحك الطبيب ساخرا وقال:
– كما قالت المديرة عنك، فتاة حالمة ببطن جائعة.
جلس بجانبي وقال مطمئنا:
– الضابط أمر بوضعك تحت الملاحظة لثلاثة أسابيع مع تناول الدواء وبعدها تستطيعين العودة للدار.
– ثلاثة أسابيع وقت طويل.
– ستمر بسرعة.
دخلت غرفتي بعد ذلك ومعي كتابا جئت به من المكتبة، أخذت أقرأه حتى غلبني النوم.
في اليوم الثالث لم يكن هناك جديد حتى الظهيرة، عندما عدت أجلس في الحديقة وكان الجو هذا الصباح شديد البرودة، حتى أن الممرضة طلبت مني الدخول لكنني لم أستمع لها، ولمحت رجلا كأنه أسامة يدخل من البوابة، لكنه عندما اقترب تأكدت إنه هو.
كان يبدو شاحبا ومتضايقا فتوقعت أنه علم بما قلت، فجلست صامتة أنتظر سيل الاتهامات التي سيحاوطني بها، وبدأها قائلاً:
– تذكرين عندما سألتك كيف سمعتي لوحدك الصراخ، وغضبت مني لأنني اتهمتك بالجنون، رغم أن ذلك لم يكن قصدي؟!
– نعم، وقد سمعت بالفعل، لم يكن وهما.
– حسنا، وما قلته للضابط والطبيب، ما هو تفسيره ؟
– حقد ربما.
– أنت تتهمين نفسك بالحقد بهذه السهولة.
– يجب أن يدرك الإنسان مرضه ليستطيع الشفاء.
وقف مرة واحدة وصاح غاضباً:
– ليس حقدا بل كذبا وضعفا.
أدرت وجهي بعيدا عنه، فسمعته يبتعد …….
أرعدت السماء ففزعت من الصوت، وقبل أن أقوم من مكاني، كانت الأمطار تنهال فوق رأسي بلا رحمة، دخلت بسرعة إلى الغرفة وأشعلت المصباح وأكملت القراءة، وبعد قليل دخلت الممرضة ووضعت الطعام وقالت:
– لديك شريكة في الغرفة ستدخل بعد قليل.
لم أكن أريد شركاء بالغرفة، لقد اكتفيت من الشراكة، لكن رفضي لن يغير شيئا، وبعد نصف ساعة دخلت الممرضة ومعها فتاة هزيلة جدا لا تستطيع السير على قدميها، أوصلتها الممرضة حتى السرير ، وأخبرتها أنها ستأتي لها بالطعام، لم تنطق الفتاة التي كانت عيناها غائرتين وعظام صدرها بارزة وكأنها خارجة لتوها من مجاعة، لقد كانت مفزعة بمعنى الكلمة، نظرت الفتاة ناحيتي ببطء وهمست:
– اعتني بي.
قلت لها مطمئنة:
– حسنا أنا هنا.
مدت يدها لي، فخفت أن ألمسها، لكن عيونها كأنها …..گأنني أعرفها………صحت في فزع وهلع…………..نجااااااااااة.