بقلم / سلوى مرجان
لم يكن سوى خيط سحبته فانفك الثوب كله.
جلست أمام نجاة غير مصدقة عيني، حاولت أن أسألها لكنها لم تقو على الإجابة، غطيتها وتركتها تنام، أما أنا فلم أنم، جلست أتذكر كل ما حدث تلك الليلة، كنت أتمنى أن أنسى ولكن يبدو أنني وقعت في شرك.
عندما أخذت ملفي وذهبت لغرفتي كانت أمي تقف أمام الباب تمنع دخولي، وأشارت لي لأتبعها إلى غرفتها، مشيت معها صامتة، وعندما أغلقت علينا الباب قالت:
– لقد تركتك تسرقين ملفك والمال الذي كان موجوداً على المكتب.
– لم يكن هناك مالا على المكتب.
– ما دليلك؟
– لأنني لم أسرقه.
– وبصماتك على باب الغرفة وعلى الأرفف ومكان الملفات؟!
– فقط دخلت لآخذ ملفي.
– هذا اعتراف بدخولك، ليحقق الضابط بنفسه في أمر السرقة واثبتي له العكس.
– أقسم بالله لم أفعل.
– قسمك لا يعنيني، سأبلغ الشرطة عنك، وسيفتشونك وسيعرفون أنك معك النقود.
ثم اقتربت وغمزت لي ساخرة:
– هل تنكرين أن معك نقود؟
– أنا….أنا لم أسرق، أقسم بالله، إن تلك النقود من……
– أعلم من أين تلك النقود، أعلم جيداً أنك تقومين بعمل من خلف ظهري وتحصلين على مزيد من المال، ولكن لن أقول للضابط هذا الكلام، سأتركه يقبض عليك.
– لماذا ؟
– أريده أن يقبض عليك، أنت تمثلين لي البراءة الخبيثة، تبدين بريئة ومستسلمة، والحقيقة أنك الوحيدة التي لا تنصاعين لأوامري، مثلك مثل فيروز ونجاة ودعاء، تبا لي لأنني علمتكن، إن العلم صانع التمرد.
– صدقيني أنا……
– لن أصدقك مهما قلت، أخبريني أولاً لماذا سرقت ملفك؟
– كنت أريد البحث عن أهلي.
أطلقت ضحكة عالية ثم حملقت بي وقالت بخبث:
– حقا تريدين معرفة من أنجبتك وألقت بك في الشارع ؟!
لذت بالصمت ولم أعلق، فوقفت وقالت بجدية:
– حل وحيد لأنقذك من السجن وضياع مستقبلك.
قلت بلهفة:
– ما هو؟
– ربما يأتي الضابط غداً ويأخذك للطبيب ليتأكد من سلامة قواك العقلية، وسبيلك الوحيد هو أن تعترفي له.
– بم أعترف؟
– أنك ساعدت نجاة على الهرب لتحرقي قلبي عليها.
– ولماذا يحترق قلبك عليها.
وضعت يدها على وجهها وقالت بصوت مختنق:
– لأنها ابنتي التي أحببتها من كل قلبي.
وقعت الكلمات فوق رأسي كالصاعقة، ولكنها لم تمهلني فرصة للصدمة فعادت تقول:
– وحرضت صاحب الفندق على فيروز.
فتحت فمي كالبلهاء وهتفت:
– هل تعلمين بأمر فيروز.
أجابت بسخرية:
– أعلم كل شيء أيتها الساذجة.
قلت لها:
– لكنني باعترافي هذا سأتأذى أكثر.
– نهائياً، سيعتبرونك مريضة نفسية، فأنت لم تفعلي سوى الكلام النابع من الحقد، ثم إن لديك سابقة هلوسة أمام الضابط حينما أخبرتيه عن الصراخ.
– لم أكن أهلوس.
– من أدراك؟! الضابط لم يسمع الصرخة ولم يسمعها أحد غيرك.
– كيف؟
– لا مزيد من الأسئلة، عليك فقط تنفيذ ما أقول.
– وما الضامن أنني لن أحاسب؟
– قلت لك سيعاملونك كمريضة، وهناك أمر أيضاً، دعاء أنت من أفزعتها.
وظلت تتحدث وأنا أستمع لها بنصف عقل، كنت خائفة أن أورط نفسي، وخائفة أن تتهمني بالسرقة، فقررت أن أهرب من الباكر قبل أن يأتي الشرطي…..لكن لسوء حظي لم يسعفني الوقت.
والآن كيف وصلت نجاة إلى هنا، نظرت لها وهي نائمة متكورة على نفسها في وضعية الجنين، أهذه نجاة صاحبة الإرادة القوية والشخصية التي لا تقهر، أنا لا أصدق أبداً، أين وجدوها؟! ومن أتى بها إلى هنا؟!
في الصباح تناولت طعامي وكانت نجاة ما تزال نائمة، حتى أنني شككت أنه أصابها مكروه، فاقتربت منها لأستمع لأنفاسها، لكنها أحست بحركتي وفتحت عينيها ، كانت كعجوز لا تقوى على الحركة، أجلستها بعناية وأخذت أطعمها في فمها كطفل صغير، بينما كانت تنظر هي لبعيد وكأنها لا ترى أي شيء.
سألتها والفضول سيقتلني:
– لا تتحدثي يا نجاة ، حركي فقط رأسك، فأنا أريد أن أعرف شيئاً ما، هل أنت ابنة مديرة الدار ؟
هزت رأسها ب (لا), فسألتها مرة ثانية:
– كيف وجدتك (أمنا الغولة) بعدما هربت؟
هزت رأسها أيضا ب (لا)، فاندهشت وقلت:
– ما معنى لا؟! أنا أسأل أين وجدتك؟
أجابت بصوت ضعيف:
– أنا التي ذهبت إليها.
– أنت ، لماذا ؟
– بعدما عرفت ما فعلت.
– ماذا فعلت؟
– قتلت فيروز.
– لا مستحيل، فيروز انتحرت.
نظرة طويلة صامتة وحزينة كست وجهها وهي تقول:
– بل انتحروها.
عادت نجاة للنوم ولم تزد حرفا، فكاد الفضول يقتلني وهممت بإيقاظها، لولا أني ترفقت بها، وبعد العصر بقليل جاءت المديرة مرة أخرى وعلى وجهها تلك الابتسامة الخبيثة، وقالت لي وهي تشير إلى نجاة:
– ما رأيك بالمفاجأة؟
كعادتي لذت بالصمت، فعادت تقول:
– هل تعرفين أين وجدتها؟
– لا.
– ألم تتحدث بعد إليك؟
– لا.
– لقد اعتدى عليها المجر م الذي هربت معه، وعادت لي بتلك الصورة الرهيبة، لكن الأم لا تخذل ابنتها مهما حدث، فأتيت بها إلى هنا لتتلقى العلاج.
– من الواضح أن هذا المشفى تابع للدار.
– ماذا تقصدين أيتها الخبيثة؟
– لا شيء ، أتعجب فقط.
– كفاك عجبا واكتفي بحالك، فأنت تستحقين الشفقة الآن.
– لماذا ؟
– لأن الأمر قد انتهى وأغلقت قضية دعاء للأبد.
– حسنا وما الذي يضيرني أنا.
ابتسمت وهي تستدير لتفتح الباب وتقول :
– بناء على أقوالك وشهادة الطبيب، تقرر إبقاؤك في مركز الرعاية لأجل غير مسمى.
صرخت بها:
– ماذا تقولين ؟، لم يكن اتفاقنا.
نظرتها اللامبالية جعلتني أجن، وهي تفتح الباب وتقول:
– من الذي اتفق معك أيتها المجنونة، ما زلت تكذبين وتهلوسين كعادتك.
قفزت باتجاهها وأمسكت بطرحتها وشعرها في وقت واحد، فضربتني في وجهي، فعضضت يدها بكل ما أوتيت من قوة، وهي تصرخ:
– المجنونة ، المجنونة.
وما هي إلا ثوان وكانت الممرضة تشدني بقوة بعيدا عنها وتلقي بي في الغرفة وتغلقها بالمفتاح لأول مرة.