د. محمد كامل الباز يكتب : هنا أصبحت الرجعية والأصولية أكثر تقدماً من الحرية والمدنية
طالما سمعنا المستشرقين والمتنورين، المفكرون والمثقفون يصدعوا رؤوسنا بالحرية والمدنية، يعلمونا دروساً فى الحضارة والإنسانية، يستنكروا على أي أحد يتشدق بسمات الماضي وأخلاق السلف، يهاجموه بداعي التطور والتغير، يقارنوا له ظلمات الماضي بنور اليوم وضياؤه، يسخرون من مجتمع الصحابة والتابعين بل يتهكمون أيضاً على مجتمع النبي صلى الله عليه وسلم والصديقين، يكون ملخص كلامهم أننا فى عصر العلم والتقدم، عصر النور والحرية فلماذا تعودوا بنا لزمن الإبل والرجعية!!
خرج أحد المستشرقين منذ أيام ليهاجم الإسلام عبر صفحته وترك مجال الحوار مفتوح ( الرجل يتمتع بقدر كاف من الحرية ) فتابعت ردود المتابعين وإذ بأحدهم لم يبلغ الثانية عشر يبدأ فى الكلام والرد على هذا الجاهل !!
بدأ الرجل هجومه على الإسلام حيث تشعر أن هؤلاء المفكرين والمتنورين قد خلت حياتهم من المشاكل الاجتماعية ولم يتبقي إلا زواج الأربعة، اختفت المجاعات فى العالم وتوقفت أزمات الطعام وأصبحت قضية العالم المحورية هي غمس الذبابة فى الكوب هل هو نافع أم ضار، يعاني الكثير منهم من الحساسية وأمراض الصدر بسبب الكلام عن بول الإبل؛
لم يري أى منهم ما يحدث فى العالم من حروب وصراعات ولكن كل ما يتذكره فى قلبه منذ أربعة عشر قرناً ما حدث بين خالد بن الوليد ومالك بن نوير، يستيقظ أحدهم من نومه ليفتح هاتفه ويدخل على صفحته ليكتب عن حديث (نشر لا إله إلا الله وحده لا شريك له) ويتساءل لماذا كانت غزوات الرسول وهل انتشر الإسلام بالسيف ؟
يعيش الكثير منهم فى أمريكا غاض البصر عما حدث فى هيروشيما و ناكازاكى وفيتنام والعراق وافغانستان ولكن نظرهم يستطيع رؤية فتح مكة والقادسية ومصر والشام!!
لو درست علم الشيزوفرانيا وتخيلته متجسد فى شخص فلن تجد مثال أفضل من ذلك المتنور أو هذا المستشرق الذي يسبح بحمد الغرب جهاراً نهاراً ويتخذها قبلته فى الحرية والإنسانية بينما ينقم على تاريخه وسلفه ويراهم همج جهلاء؛
هذا المتنور صم أذنه عن مآسي إخوانه فى غزة المستمرة منذ مئة يوم بسبب عالمه المتحضر، هذا المتمدن لم يعلق على قتل الأسري وقصف الأطفال وقتل الشيوخ ولكنه نجح فى التعليق على بدر ومؤته واليرموك، أخذ الغلام يفحم المستشرق أكثر فذكر له مثالا حدث ويريد تفسيراً له؛
عقب أحداث الرجيع تم أسر خبيب بن عدي من المشركين وتم الإعلان عن أسره فاشتروه بنو الحارث فى قريش حيث كان خبيب قتل الحارث فى بدر فرغب بنو الحارث فى الثأر لابيهم فأخذوا خبيب وتم وضعه فى البيت رهن الإقامة الجبرية انتظاراً لقتله، طلب خبيب موسا ليستحد (يحلق العانه) كي يلقي الله على الفتره، غفلت أحدي النساء فى دار الحارث طفلها الذي ذهب لخبيب وكان معه الموس، فزعت الأم لما حدث، الرجل أسير والان أصبح بين يديه صيد ثمين قد يفاوض به خاطفيه على حياته
قال لها خبيب وهو يري الفزع في عينيها : اتخافي أن اقتله ؟ والله ماكنت لافعل ذلك فقد نهانا نبينا عن قتل الأطفال !!
رجل تم أسره من اعداؤه بالغدر وتم قتل أصحابه أمام عينه يقع فى يده طفل لهؤلاء الأعداء، لا يفكر فى ايذائه أو حتي أسره حتي يضمن حياته، بالله عليكم كيف يكون هذا؟ هل ذلك الخلق من الممكن أن يأتي من بشر؟
لم تنته قصة خبيب هنا ولكن كل شىء أنتهي بين الغلام والمستشرق هنا، اندهش الجميع بما فيه غير المسلمين من تلك القصة ومن ذلك الأسير، أخذ يبحث معظم رواد صفحة هذا المستشرق عن هذا الدين الذي ينهي فيه نبيه عن قتل الأطفال أو ايذائهم؛
نهي حقيقي ليس مجرد شعارات كما يفعل ملوك وساسة الغرب الآن، منهج عملي ليست خطب أو توصيات لجمعيات حقوق الإنسان؛
بدأت الصفحة بهجوم ضاري من المستشرق علي الإسلام وانتهت ببحث معظم متابعي صفحة المستشرق عن الإسلام، بالتأكيد لن يمر وقت طويل حتي يدخل دين محمد الكثير ممن شاهدوا كذب العالم المتحضر وضلاله، بالتأكيد سيجد هؤلاء التائهون الهائمون برا كي ترسي فيه قلوبهم المتألمة من بشاعة حرب وعدوان على الأطفال منذ أكثر من ثلاثة أشهر، لن يعاني أحدهم فى المقارنة بين رجل اُتهم بالرجعية والأصولية يمتنع أحد أتباعه عن قتل طفل وقع تحت يده من خاطفيه وبين سيد من سادة العالم الأن يدعم ويساند قتلة الأطفال ويخرج علينا كل يوم يزعم أنه زعيم الحرية والإنسانية .
فى النهاية اختفي المستشرق واغلق صفحته وانتصر الغلام وارتفعت رايته بعد أن أعطي درساً لكل من تابع الصفحة أن أحيانا تكون الرجعية والاصولية أفضل وأصدق من الحرية والإنسانية.