علاء شبل يكتب : الحج بالإيمانيات وليس بالماديات
من ينظر إلى فريضة الحج يدرك على الفور أنها عبادة روحانية إيمانية ولا علاقة لها الماديات.. وهي أبلغ رد على من يريد أن يخضع العبادات لميزان العقل القاصر وعلى من ينكر السنة مكتفيا بالإعتماد على القرآن الكريم وحده ( كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا).
والملمح الأول في شعيرة الحج أنها لم تختص في القرآن بالمؤمنين أو المسلمين وإنما كانت كل نداءات الحج في القرآن للناس قاطبة كما في قوله تعالى( وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) الحج ٢٧ وقوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من إستطاع إليه سبيلا ….الآية آل عمران ٩٧
وقوله تعالى (ثم أفيصوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم )البقرة ٩٩
حتى سورة الحج لم يفتتحها الله بشعائر الحج وإنما افتتحها بيا أيها الناس ليعرض بعدها صورة مصغرة من صور يوم القيامة التي يتساوى فيها البشر جميعا أمام عظمة الله
وعلى هذا فإن الأمر مطلق وعام فمن أين أتينا إذن بفرضية الحج على المسلمين إنه من باب تقييد رسول الله صلى الله عليه وسلم للعام والمطلق وتحديده لمفاهيم عامة في القرآن مثل وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
وقد أخبر أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه في العام التاسع من الهجرة بعد أبي بكر يقرأ على الناس سورة براءة لينقض عهد المشركين ويعلن قرار رسول الله بألا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولن يدخل الجنة كافر . رواه البخاري برقم ٤٦٥٥ ومسلم برقم ١٣٤٧
وبهذا خلص الحج للمسلمين دون غيرهم وهو ما جعل رسول الله يؤخر حجته أربع سنوات حتى العام العاشر ليطهر البيت من المشركين والعراة وينقض عهده مع المشركين وهاهو رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم مائة وأربعين ألفا من الصحابة في حجة الوداع وهو يقول ( خذوا عني مناسككم ) رواه مسلم
وقد أكد عمر بن الخطاب أن الحج طاعة واتباع لا هوى وقياس في قوله وهو يستلم الحج الأسود ( والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولاتنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما فعلت)
ويبقي السؤال لأصحاب القلوب السليمة والعقول الواعية وهو لم لم يحدد الله مكانا لأي عبادة أخرى كالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم مع تحديد الأزمنة وحدد المكان في الحج و تأتي الإجابة ببساطة في أن الله يستدعي الجميع لحضرته لينفضوا علائق الدنيا كلها وليدين الجميع بالولاء والتعظيم لله عز وجل فإذا كان البعض يردد متفاصحا أليس الله معنا حيث كنا وهو مطلع علينا وهذا صحيح فلم يكلفنا بالذهاب الي بيته ولكن الله في الحج يريد منا أن نكون نحن معه لأنه معنا دائما فلا يكثر عليه سبحانه أن نكون معه مرة في العمر بأجسادنا وأرواحنا وأموالنا تاركين الدنيا وراء ظهورنا عازمين على نفض ذنوبنا والتخلص من آثامنا عند عتبات بابه جل وعلا بكلمة موجزة يسيرة على من يسر الله وهي ( لبيك اللهم لبيك) فالحج إذن نية وليس أمنية.
ثم نتساءل هل ترتيب الحج بين قواعد الإسلام ترتيب أولوية أم ترتيب أهمية لا والله ولكن لكل عمل تجهيز ولكل جهد شاق تدريب وإعداد فالله يجهز المؤمنين بالعقيدة والصبر على الصلاة الصوم والتضحية بالنفقة وكلها أمور لازمة كفترة إعداد للحج حتى يستطيع المرء بعد طول تدريب أن يكون مستعدا لأعظم عبادة في الإسلام بعد الإيمان بالله والجهاد في سبيله ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ان سائلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل ؟ قال إيمان بالله ورسوله قال ثم ماذا ؟ قال الجهاد في سبيل الله قال ثم ماذا ؟ قال حج مبرور
فاللهم ارزقنا حجا لقلوبنا قبل أبداننا وعقولنا.