الدكتور عادل القليعي يكتب : الحكومة الجديدة.. ومخرجات الحوار الوطني
فى البداية دعونا نتفق على أمرين ، أولهما أنه لابد من مناقشة الموضوع بمنتهي الموضوعية والمنهجية. ثانيهما أن نتوافق على طرح فكرة “كله تمام يا أفندم” جانبا ، وقد قالها فخامة الرئيس ، لا تقولوا كله تمام وإنما قولوا لدينا مشكلات ينبغي أن نتكاتف جميعا لحلها.
نطرح سؤالا يحمل ما يحمله من الوجاهة ، سؤال على كل الألسنة ، ألسنة هذا الشعب الذكي بفطرته ، نسمعه فى المواصلات العامة ، فى الأندية ، في المنتديات الفكرية ، في العمل هذا السؤال ما الذي ينبغي على الحكومة الجديدة فعله لتحقيق آمال وطموحات الشعب ، وهل ستفي بمتطلباته وتوفر له حياة كريمة تليق به بما هو كذلك.؟!
نعم كثر الحديث عن الحكومة الجديدة خصوصا بعدما قدم الدكتور مدبولي إستقالة الحكومية ، وأعاد فخامة الرئيس تكليف سيادته بتشكيل حكومة جديدة- واعتقد أنه ومن وجهة نظري المتواضعة ، تكليف في محله – لماذا لأن ثمة مشروعات عالقة بدأها مدبولي وينبغي عليه إتمامها ، فرب الدار أدرى بمن فيه.
فهل ستكون هذه الحكومة على قدر المسؤولية فى تنفيذ الخطة الرئاسية للنهوض بالوطن وتحقيق التنمية المستدامة التي تضعها في مصاف الدول المتقدمة وتحقق حلم الرئيس وحلم المصريين فى إقامة جمهورية جديدة تتحقق فيها العدالة الاجتماعية وتحفظ فيها كرامة المواطن وتحقق له رغد العيش وتلبية متطلباته من تعليم راق يواكب ركب التقدم والتطور الحضاري والمواكبة والمعاصرة.
كذلك اقتصاد قوي متماسك بما ينتفي معه الفقر وما يترتب عليه من بطالة سوء توزيع الثروات وضبط الرواتب وضمان سوق عمل جيد للحرفيين ، ينتفي معه ظاهرة التسرب من التعليم ، وظاهرة العنوسة ، وظاهرة التسول ، وكل هذه الامور مترتبة على الاقتصاد الضعيف ، لكن لو ثم إقتصاد قوى لن نجد هذه الظواهر أو على الأقل التخفيف من حدة وطأتها وتأثيرها على حياة المواطنين.
قس على ذلك فى مجال السياسة والثقافة وكل مفاصل الدولة المؤسسية الخدمية بما يحقق الاستقرار والأمن والسلام الداخلي لأفراد المجتمع.
لكن ثم سؤال يطرح نفسه بعد هذا العرض هل ستسطيع الحكومة تحقيق مخرجات الحوار الوطني وهل ستتوفر لها آليات تنفيذ ملفاته التي توصل إليها المتحاورون ، أم ستكون توصيات يصفق لها جميع الحضور وينفض المولد وتوضع حبيسة الأدراج إلى حين ميسرة.؟!
ما مخرجات الحوار الوطني.؟!فبعدما اجتمع المتحاورون بكل أطيافهم وانتماءاتهم الحزبية واللاحزبية توصلوا إلى عدة مخرجات تمخضت عن لقاءاته العديدة وجلسات مستمرة وورش عمل.
يمكن حصر هذه المخرجات في ما يلي.
المخرج الأول ، ملف الحريات وحقوق الإنسان وهذا الملف شائك جدا ، ضرورة ملحة أن يوضع أمام الحكومة الجديدة من أجل تنفيذ بنوده ، ففي مجال الحريات حرية الرأي والتعبير عنه مكتوبا أو مقروءا أو مسموعا أو مشاهدا دونما كبت ، دونما مصادرة على الرأي ، شريطة ألا يخل باللياقة والأدب حتى لا يتحول من نقد بناء إلى نقد سفسطائي مذهبي هدام ، هذه واحدة ، أما الثانية ملف الحبس الاحتياطي وتجديداته المستمرة فمن تثبت إدانته يقدم للمحاكمة والعكس وهكذا ضمان لآدمية الإنسان بما هو كذلك. فهل ستستطيع الحكومة الجديدة مواجهة هذا الملف الشائك واضعة النقاط على الحروف.
المخرج الثاني ، المخرج السياسي والمتمثل في تفعيل دور الأحزاب السياسية تفعيلا يثري واقعنا السياسي بما يضمن تحقيق وعي سياسي للمواطن، فزمن هز الرأس والتصفيق ولى وذهب بلا رجعة ، ليس هذا وحسب بل واحياء الحياة الحزبية عن طريق انتخابات حرة نزيهة وشفافة ، وكذلك احياء وتفعيل دور الحياة النيابية وعودة انتخاب المحليات ، لتمارس دورها الحقيقي فى خدمة المواطن -وإذا ما ذكرنا المحليات فحدث ولا حرج – لماذا لأنها هي همزة الوصل بين المواطن والحكومة فإذا ما صلحت هذه المحليات سينصلح حال الوطن وتنسحق الرشاوى والوساطة والمحسوبية ، كذلك إجراء إنتخابات برلمانية لاختيار نائب يجمع بين الخيرين ، مصلحة أبناء دائرته ، وفي نفس الوقت يكون له دور فاعل في وضع وسن القوانين التشريعية والتنفيذية.
المخرج الثالث ، والذي يمثل فى مخرج الصحة وآليات تفعيل دور وزارة الصحة ومدرياتها ومراكزها المنتشرة فى محافظات ومدن وقرى الجمهورية ، فكيف يتم هذا التفعيل ، عن طريق اختيار وزير واع مستنير مشغول ومهموم بهموم المواطن ينفذ توصيات الحوار الوطني من إنشاء مشافي جديدة ومتابعة طواقمها الطبية عن طريق ترك المركزية والتحرر من الجلوس على الكرسي والنزول إلى الشارع فى زياراته مفاجئة غير مسبق الإعداد لها ، كذلك متتابعة منظومة التأمين الصحي والتأمين الشامل ومتابعة شركات الأدوية والتصدي للخروقات التي تحدث من تلاعب فى أسعار الأدوية واحتكارها فصحة المواطن أولا وقبل كل شئ ، ومتابعة تكليفات الرئيس ودعواته المستمرة للحفاظ على صحة المواطنين.
المخرج الرابع ، التعليم وآليات النهوض به ، سواء التعليم الإلزامي أو التعليم الجامعي وما بعد الجامعي ، وهذا المخرج لا ولن يتحقق إلا من خلال اختيار وزير من بني جلدتهم فأهل مكة أعلم بشعابها ، وهذا المخرج يضرب في ثلاثة اتجاهات ، أولتها ، الاهتمام بالمعلم روح العملية التعليمية ، عن طريق توفير حياة كريمة له يحقق من خلالها الإكتفاء الذاتي فلا ينحرف عن الجآدة ويذهب إلى الدروس الخصوصية ، وثانيتها ، الاهتمام بالبنية التحتية للمدارس عن طريق متابعة هيئة الأبنية التعليمية وإنشاء مدارس جديدة آدمية توفر مناخ صحي للتلميذ وللمعلم ولأولياء الأمور على حد سواء ، والقضاء على كثافة عدد التلاميذ فى الفصول.
ثالثتها ، مراجعة المحتوى العلمي الذي يقدم للتلميذ عن طريق أساتذة تربويون متخصصون دونما إفراط أو تفريط ، بمعنى تقديم معلومات مركزة مبسطة مفيدة للتلاميذ بعيدا عن التطرف الديني وازدراء الأديان وحذف ما هو مكرر وحشو.
من الذي يحقق ذلك وزير يتم اختياره بعناية فائقة لماذا لأن بناء الأمم أساسه المتين وحجر زاويته التعليم.
المخرج الخامس ، المخرج الثقافي بكل ما تحمله الكلمه من معان ، فضرورة ملحة الاهتمام بالثقافة وهذا مخرج غاية فى الأهمية ، فالثقافة هي البناء الحضاري لأية أمة ولا يتم ذلك إلا من خلال ممارسة الحكومة دورها المنوط بها من خلال اختيار وزير له باع طويل فى هذا المجال ، على وعي ودراية بلجان المجلس الأعلى للثقافة وما تقوم به فى اروقتها وكيفية اختيار أعضائها ،كذلك من خلال الاهتمام بمركز الترجمة ودار الأوبرا وقصور الثقافة واحياء الثقافة الجماهيرية ، واحياء دور مكتبة الأسرة.
المخرج السادس ، المخرج الديني وهذا المخرج يضرب على وتر حساس بمعنى فالاهتمام بالدين ضرورة ملحة وعلى الحكومة معول رئيس فى اختيار وزيرا للأوقاف على دراية وفهم جيد بعلوم الدين مما يساعده على اختيار مساعدوه ومستشاروه ، كذلك عليه دور بالغ الأهمية فى إعداد دعاة مفوهين غير مسفسطين لأنهم هم الذين يتولون الخطابة والتعامل المباشر مع جموع الشعب بعيدا عن التطرف ونشر خطابات الكراهية فالدين لله والوطن للجميع ، بل وعلى هذا الوزير دور فى متابعة المساجد والوقوف على احتياجاتها ومتطلباتها فالدين فى حاجة ملحة إلى الدولة لترعاه والدولة فى حاجة أكثر إلحاحا للدين ليرعاها أيضا.
المخرج السابع ، ملف الإسكان والمجتمعات العمرانية والاهتمام بالعشوائيات ، فهل يعقل ونحن فى القرن الحادي والعشرين أن نري هذا الكم من المناطق العشوائية التي يتخذها بعض قاطنيها أوكارا لممارسة الرذيلة وبيع المخدرات والبلطجة ومن ثم بات الأمر ملحا أن تلتفت الحكومة إلى هذا الملف الذي دوما ما نبه عليه السيد رئيس الجمهورية ، ولن يتم ذلك إلا من خلال اختيار وزير على وعي ودراية بتقنيات إنشاء المدن الجديدة والمجتمعات العمرانية ، واعتقد أن كليات الهندسة بها من العلماء الأفاضل من يقوم بمثل هذه المهمات ، مهندس تنظيري وتنفيذي في آن واحد.
المخرج الثامن ، الملف الاقتصادي والصناعي ، والزراعي ، فإنه ينبغي على الحكومة الجديدة الإهتمام بهذا الملف أيما اهتمام ، لأن الاقتصاد عصب أي دولة ، فإذا ما كان اقتصاد الدولة قويا فالنتيجة الحتمية ستتحقق المعادلة التي لا اعتقد أنها صعبة لماذا لأن الاقتصاد القوي سينمائي من خلاله البطالة ، والتسريب من التعليم وسيقضى على ظواهر مثل العنوسة والتسول ، أما آليات النهوض باقتصادنا تكون عن طريق الاستثمار وكيفية جذب المستثمر إلى بلادنا الذي يتوفر من خلاله العملة الصعبة ، أيضا اختيار وزير إقتصاد فاهم واع مستنير ، يضع خطة زمنية للنهوض بالإقتصاد يتعافى من خلاله ومصر ولادة وتستطيع أن تختار هذا الوزير ، وإذا ما ذكرنا الاقتصاد والنهوض به فلابد أن نربطه بالتصنيع والزراعة فهذه الثلاثة هي المقوم الرئيس لبناء دولة قوية ، صناعة قوية+زراعة تسد حاجات الشعب ويصدر فائضها إلى الخارج= اقتصاد قوي متين.
هذا اجتهادي الشخصي فى تحليلي لهذه المخرجات وكيفية ربطها بالمطلوب من الحكومة الجديدة.
وفقنا الله لما فيه خير البلاد والعباد.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.