لا يساورني شك في أن هذا الموضوع من الموضوعات المهمة، ليس هذا وحسب وإنما من الموضوعات الشائقة الشائكة.
لماذا؟!
لتفشي هذه الظاهرة بصورة كبيرة، ليس في السرقات الأدبية سواء بسرقة نص نثري عمودي، أو حتى سرقة خاطرة، أو قصة أدبية دون توثيق المصدر الذي استقي منه، دونما الإشارة إلى مؤلفة حتى ولو عن طريق الاقتباس.
ليس الأمر مقصور على الأدب بل بات جليا أن هذه الظاهرة استشرى خطرها وانتشر في كافة مناحي الحياة الثقافية والسياسية والإعلامية، بل واشتد خطرها في البحث العلمي الأكاديمي فكثير ما ندعى لمناقشة رسائل علمية وتجد ما يسمى بالباحث، نعم فهو ليس باحث بحاث إنما هو لص ليس محترفا لماذا، لأنك لأول وهلة عندما تراجع هذه النصوص أولا تجده ليس موثقها في الحواشي، ليس ثمة إشارة ولو حتى عن طريق الاقتباس إلى مصدر هذه النصوص وبتدقيق القراءة تجد أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تكون رؤيته ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون فكره يتضح ذلك جليا من مجريات وقائع مناقشته، ودليلي على ذلك، أنه ذات مرة ناقشت طالب وللأسف استشهد برأي في قضية فلسفية دون أن يشير إلى صاحبه، وقدرا كان هذا الراي لي شخصياً كنت قد دونته في إحدى مؤلفاتي وبمواجهته، اضطرب ولم يستطع الرد علي.
لماذا لأنه ليس فكره، ليس عقله الذي يكتب وإنما وظف عقله في الغش والسرقة والانتحال دون إشارة.
ولو أمعنا النظر من الناحية الدينية والأخلاقية، سنجد أن جميع الأديان استنكرت الغش، (من غشنا فليس منا)، بل فإن الغش والسرقة رذيلة تودي بصاحبها إلى التهلكة.
السيدات والسادة، دعونا نناقش الموضوع بنظرة موضوعية بعيدا عن النزعات الذاتية الوجدانية العاطفية، فالبحث العلمي لا يعرف مثل هذه الأمور، البحث العلمي يلتزم بالصرامة والدقة والعقلانية، وإلا لو تسامحنا مع هؤلاء فماذا سنخرج، هب أن المتقدم للمنح درجة دكتوراة أو ماجستير وطبطبنا على هذا السارق الذي رضي لنفسه هذا الأمر، ماذا سيصبح.
بالحتمية المنطقية سيصبح عضوا فاسدا في المجتمع، حتى وإن أصبح عضو هيئة تدريس، من الذي سيتخرج من تحت يديه، طالب سارق أيضا، لماذا لأن فاقد الشيئ لا يعطيه، هو فاقد للنزاهة البحثية والأمانة، إذن سيخرج طالب مثله لص، واللص قد يحصل على شهادة ليسانس ويعمل في التدريس مثلا، ماذا سيقدم لأبناء مجتمعه، لصوص- إلا ما رحم ربي-
إذن لابد من التصدي لهذه الظاهرة بكل ما أوتينا من قوة، ولابد من التوصية بتفعيل دور الأجهزة الرقابية بحفظ حقوق الملكية الفكرية باستسصدار أرقام إيداعات دولية لتحفظ للمؤلف حقه وحتى لا تجعله عرضة للسرقات.
ليس في مجال البحث العلمي فقط، بل في شتى صنوف المعاملات، فهناك من ينتحل شخصية طيب ويسرق جهد الطبيب الحقيقي، وهناك من يسرق براءة اختراع من مهندس مثلا وينسبه لنفسه.
وهناك من يسرق مقالا على الرغم من أنه قد يكون موثقا على محرك جوجل، وحدث ليلة العيد الماضي، وشر البلية ما يضحك، أقلب صفحات الفيس بوك وافاجأ بلص سرق مقالتي في فلسفة القرآن الكريم، ونسبها لنفسه، وكم ثناء منقطع النظير على هذه المقالة ونشرها على موقع يسمي كذا دون ذكره، ودخلت على هذا الموقع وأرسلت لهم رابط مقالتي على موقع البوابة نيوز، فافتضح أمره، والنتيجة المتوقعة طردوه من المجموعة، تخيلوا يتصدق بمقال مسروق، حقا شر البلدية ما يضحك.
نعم هذه الظاهرة استفحل خطرها مع التقدم التقني والسموات المفتوحة وعصر الانفتاح الإعلامي، لا سامحوني الإنفلات الفوضوي الذي تحول إلى فوضى عبثية غير مسؤولة.
فالبعض يدخل على الحسابات ويسرقها مهكرا إياها ويسرق محتواها، ليس هذا وحسب، بل ويستغل أصحابها أسوأ استغلال، ولا حياة لمن تنادي، أفعل ما شئت ولا تخجل فالكل مهان.
السرقات برمتها سواء أدبية أو ثقافية، أو علمية أو دينية، أو إقتصادية، أو سياسية.
جميعها أفعال مشينة تشين صاحبها وفاعلها وتفقده ذاته وتجعله منسحقا قيميا أمام مجتمعه إذا ما افتضح أمره، وسيفتضح ولو بعد حين ، فاللص لابد أن يخطأ ذات مرة ويترك أثرا خلفه مهما بلغ من ذكاء فأكثر اللصوص أذكياء وذكاءهم يقودهم إلى الغباء.
وحتى إذا لم يفتضح أمره ماذا سيقول لنفسه وهو واقف أمام المرآة أو واقف يلقي قصيدة شعرية لبست من تأليفه والناس تصفق له هل سيشعر بالسعادة، إن شعر بها فهو فاقد للهوية والذاتية والشخصانية.
فلابد أن تتضافر كل الجهود لدحر هذه الظاهرة التعيسة واستئصال شأفتها وبترها من جذورها.
إذا أردنا حقا نهضة على كافة المستويات واصلاحا حقيقيا فلابد من الوقوف جنبا إلى جنب في وجه أمثال هؤلاء، وقوف ممنهج بضوابط علمية رصينة، وأهمها توصيات في ندوات ومؤتمرات تعقد في هذا الشأن، وهذه التوصيات لا توضع في الأدراج وإنما تفعل وترسل لأولي الأمر حتى يتخذوا الإجراءات الاحترازية الصحيحة.
إذا أردنا حقا النهوض بأوطاننا فلابد أن نبدأ من هنا، حماية العقول من سرقات أصحاب اللاعقول.
حماية فكرنا من هذه الفئات والعناصر الضآلة المضلة التى ليس لها هدف اللهم إلا إثارة الفوضى ونشر الرذيلة في المجتمعات،واختتم حديثي بقوله تعالى.(إن الله لا يصلح عمل المفسدين).
وأشد انواع الفساد والإفساد، فساد العقول وافسادها.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.