900
900
مقالات

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أسباب الفلاح وعوامل النجاح

900
900

بقلم / المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
و رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين

مما لاشك فيه أن لكلِّ فلاحٍ أبواب، ولكل صلاح أرباب، ولكلِّ نَجاح أسباب، آية عظيمة، تحدِّثنا عن أربعة أسباب أساسية للنجاح في الدنيا والفلاح في الآخرة: الركوع، والسجود، وعبادة الله، ثم فِعل الخيرات؛ قال تعالى في سورة الحج – ونحن نستقبل موسم الحج -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77].

إنه الخير المطلَق، والجهاد المتواصِل، والرباط المستمرُّ، ليبقى الإنسان في حفظ خالقه، وتوفيق رازقه، وعناية واجده وسيده، يهديه ويُرشده، يُعينه ويُسدِّده، لا تضْييق ولا خناق، لا محاربة ولا مجاذبة، المهم أن تفعل الخيرَ مِن أي أبوابه شئتَ، كيف؟
((من أنفَق زوجين من شيءٍ من الأشياء في سبيلِ الله، دُعِي من أبواب الجنة: يا عبدَ الله، هذا خيرٌ، فمن كان من أهلِ الصلاة دُعِي من باب الصلاة، ومن كان من أهلِ الجهاد دُعِي من بابِ الجِهاد، ومَن كَان من أهل الصدَقة دُعي من بابِ الصدقةِ، ومَن كان مِن أهل الصيام دُعِي من باب الصيام وباب الريان))، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يُدعَى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: هل يُدعَى منها كلِّها أحدٌ يا رسول الله؟ قال: ((نعم، وأرجو أن تكونَ منهم يا أبا بكر))، وفي رواية ابن حبان: ((وأنت هو يا أبا بكر))؛ صحيح.
طرق الخير كثيرة، وسبل البر وفيرة، وأبواب العملِ الصالح مشرَعَة، وقد قال أهل العلم: إنَّ أعمالَ البرِّ لا تُفتح كلُّها للإنسان الواحدِ في الغالب، إنْ فُتِح له في شيء منها لم يكن له في غيرها، وقد يُفتَح لقليلٍ من الناس أبوابٌ متعدِّدة.

إنه “فعل الخير” هكذا على إطلاقه، والخير هو كل ما حث الشرع على فعله، مما يجعل النفس مشرقة، والروح متألِّقة، حين تسمو إنسانيته، وترقى أخلاقه، ويقوم بدوره تجاه الرحمن، فيسمو بالقرآن، ويرقى بالإيمان، ويَعلو بالإحسان.
العبادة بينه وبين الله تعالى، بينما فعل الخير عمومًا يجعله صاحبَ عطاء ويُحبِّبه إلى الناس؛ فهي المعامَلة الطيبة التي يحرص الإسلام عليها أن تكون بين أفراد المجتمع، ولا نعيش نظريات المثالية والأمنيات من دون تطبيق وعمل.

وقد كان جوابُ رسول الله متعدِّدًا في أوقاتٍ مختلفة وأحوال مختَلفة، ووجه الحكمة في ذلك اختلاف أحوال السائلين واختلاف أوقاتهم، فأعلَمَ كلَّ سائل بما يحتاج إليه، أو بما له رغبةٌ فيه، أو بما هو لائق به ومناسبٌ له.

ومن إجابات النبيِّ: عن عبدالله بن مسعود قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصلاة على وقتها))، قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: ((برُّ الوالدين))، قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قال: حدَّثني بهنَّ، ولو استزدتُه لزادني؛ متفق عليه، واللفظ للبخاري.

وفي مسند أحمدَ من حديث ماعز عن النبيِّ: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وحدَه، ثمَّ الجهاد، ثم حجَّة برَّة تفضُل سائرَ العمل كما بين مطلع الشمس ومغربها))، ونحوه في الصحيحين والسنن.

وفي سنن النسائي من حديث أبي أمامة: أي الأعمال أفضل؟ قال: ((عليك بالصوم؛ فإنه لا عِدل له)).
منهج الله عز وجل منهج تفصيليٌّ يشمل كل حياة الإنسان ونشاطاته؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]، لماذا الركوع والسجود أولاً؟ صلة العبودية الحقة تقوم على إفراد العبادة لله، وإخلاص الدين له وحده لا شريك له، والاعتقاد بأنه رب العالمين، وأنه الإله الحق، الذي يخلق ويَرزق، يَمنع ويمنَح، يُحيي ويميت، يُعزُّ ويذل، لا إله غيره، وتخشع له القلوب، وتتوجَّه له الأنفس، صلة مباشرة بين العبد وربه، لا سلطان لأحد عليها، ولا وساطة لأحد فيها، إذا توطَّدت وتعمَّقتْ كان أول مظاهرها عند العبد ألا يذلَّ إلا لله، ولا يستعينَ إلا بالله، ولا يتوجه إلا إلى الله، ولا يعمَل إلا ابتغاء مرضات الله.

فمن أراد أن يُحَدِّث ربه فليَدْعُهُ، ومن أراد أن يُحدِّثه ربه فليقرأ القرآن، الركوع خضوع لله، والسجود طلب العون منه، الركوع يعني: يا رب، أنا خاضع لك لكنَّني ضعيف، والسجود: يا رب، أعنِّي على طاعتك؛ لذلك ورَدَ في بعض الأحاديث: ((ألا أنبِّئكم بمعنى لا حول ولا قوة إلا بالله؟ لا حول عن معصيته إلا به، ولا قوة على طاعته إلا به))؛ ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33].

غاية العبادة أن تخضَع، وأن تستعين على طاعة الله بالله، إذًا الركوع والسجود يقابل: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]؛ لذلك قيل: جُمِع القرآن في الفاتحة، وجُمعت الفاتحة في ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5].
الصلاة هي أبرز شيء في الدين؛ ((الصلاة عماد الدين؛ من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدَم الدين))؛ أخرجه البيهقيُّ في شعب الإيمان عن عمر.

أهمُّ عبادة في الإسلام الصلاة، وأهمُّ ما في الصلاة السجود والركوع، الصلاة لا تَسقُط أبدًا، كيف؟ الحجُّ يسقط عن غير المُستطيع، والزكاة تسقط عن الفقير، والصوم يَسقط عن المسافر والمريض، أما الصلاة، فلا تسقط أبدًا، والصلاة جامعة لكل الفرائض، كيف؟ فيها صوم؛ فلا حركات ولا إشارات ولا كلام، فضلاً عن الطعام والشراب وغيره، وفيها زكاة؛ فهي تستغرق وقتًا، والوقت أساس الكسب والعمل، تُغلِق محلَّك وتُوقِف عملك لتُصلِّي، وفيها حجٌّ؛ فأنت تتَّجه إلى الكعبة.
إذًا، الصلاة فيها كل الفروض؛ لذلك كانت هي مقدمة أسباب الفلاح وعوامل النجاح، هي صِلَة، وهي ذِكْر، وهي سكينة، وهي طُمأنينة.

المصلي يَقذف اللهُ في قلبهِ النورَ، فلا يوجد إنسان يتَّصل بالله اتصالاً حقيقيًّا عنده حقد، عنده كبر، عنده غش، عنده حسد، مُستحيل؛ الصلاة طهور، والصلاة نور؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ﴾ [الحديد: 28].
المصلي مستنير يقذف الله في قلبه النور، سيدنا يوسف لما دعتْه امرأة ذات منصب وجمال، وهي سيدتُه، وكانت بارعة الجمال، لماذا قال: مَعاذ الله؟ لأنَّ الله ألقى في قلبه النور، النور كشَف له عواقب الزِّنا، أما الأعمى فإنه سرعان ما يَنزلِق في الزِّنا؛ ورَد في جريدة رسمية أن إنسانًا أشارت إلى سائق، فلمَّا وقَف سألها: إلى أين؟ قالت: حيث تريدُ، ظنَّ هذا مغنمًا كبيرًا وقضى حاجته، ثم أعطته رسالة بعد أن غادرت المركبة، ففتَحها وقرأها، تقول فيها: مرحبًا بك في نادي الإيدز!

لماذا قال سيدنا يوسف: معاذ الله؟ في قلبه نور، أنت حينما تتَّصل بالله يُلقي الله في قلبك النور بنصِّ هذه الآية، هذا قرآن يُوجِد بقلبك نورًا لا تقع به في خطأ كبير، لا تقع في ظلم شديد، لا تقع في حماقة بهذا النور؛ لذلك الصلاة نور، والصلاة طَهور، والصلاة حبور، والصلاة سعادة وسرور، ثم ماذا؟ ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 110].

على كل إنسان أن يحقق الهدف من وجوده: ﴿ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ﴾ [البقرة: 21] لا بدَّ مِن أن تقدم شيئًا، أن تقدم مِن مالِك، من وقتك، من علمك، من راحتك، من مكانتك، من جاهك، بقدر ما تقدِّم تسعَد بالصلاة: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج: 77]، ما الفلاح؟ أن تحقِّق الهدف من وجودك، إيمانك بالله وشكره!
حجم الإنسان عند الله بحجم عمله الصالح؛ بزواجك الشرعي، بالمهر، بحجاب زوجتك، بتربية بناتك، بكسب مالك، بإنفاق مالك، بأفراحك، بأتراحك، بسفرك، بإقامتك، بمعاملة والدتك، بحفظك للحق ودفاعك عنه!

فإذا كانت المعركة بين الحق والباطل معركة أزلية لا تَنتهي، وإذا كان الصراع قائمًا لا يتوقَّف، فلا بدَّ من جهاد دائم، جهاد كذلك لا يتوقَّف؛ ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [الحج: 78]، الشرف الذي نالته الأمة العربية حينما اختارها الله لتكون وسيطًا بين الله وبين عباده، ﴿ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [الحج: 78]، الركوع والسجود والعبادة الحقة لله، وفعل الخير، ثم الجهاد الحق: سلالم المجد لأي أمَّة، وآيات الرفعة لأيِّ شعب يأخذ بها ويؤمن بها ويَسير عليها.

ثم ما أجمله من ختام يؤكد على قيمة الصلاة والاعتصام بالله؛ ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الحج: 78].
ختام يَحثُّنا على الاعتصام بالله تعالى؛ فهو مسبب الأسباب، وهو رب الأرباب، وهو فاتح الأبواب، وهو على كل شيء قدير؛ هو مولانا وناصرنا، وهو غايتنا سبحانه، وحين يجعل المسلمُ غايته هي الله تعالى حبًّا له، وعملاً من أجله، وتعظيمًا له، وشكرًا له، واستشعارًا لمعيَّتِه، ورجاءً له، فهذا ما يُريده العبد في النهاية؛ رضا الله تعالى، وهو مع ذلك إيجابي مِعطاء، فاعل للخير، مُستشعِرٌ مسؤوليتَه، لا مجرَّد منْكبٍّ على نفسه بعيدٍ عن مُجتمعِه وأمَّته، هكذا فليكن المسلم لنفسِه وأُمَّتِه، وللإنسانية كلها!
اللهمَّ اجعلنا عاملين لدينك، شاكرين لنِعَمِك، مؤهَّلين لعبادتك، جديرين برضاك، فَرِحين بلِقاك.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى