رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن إستقبال شهر رمضان المبارك

بقلم / المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مَا هِيَ إِلاَّ سَاعاتٌ قَلاَئِلُ وَيَدْخُلُ عَلَيْنَا شَهْرُ رَمَضَانَ ؛ هَذَا الشَّهْرُ الْكَرِيمُ الَّذِي كَانَ -صَلَّى اللهُ وَآلِهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَشِّرُ أَصْحَابَهُ – رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ – بِقُدُومِهِ ؛ فَيَقُولُ : «أَتَاكُمْ شَهْرُ رَمَضَانَ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ»
[أخرجه أحمد، والنسائي، وصححه الألباني في «صحيح الترغيب»].
نَعَمْ وَاللهِ! إِنَّهَا بُشْرَى عَظِيمَةٌ، كَيْفَ لاَ يُبَشَّرُ الْمُؤْمِنُ بِشَهْرٍ يَفْتَحُ اللهُ فِيهِ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ؟ وَيُغْلِقُ فِيهِ أَبْوَابَ النَّارِ؟! كَيْفَ لاَ يُبَشَّرُ الْعَاقِلُ بِوَقْتٍ يَغُلُّ اللهُ فِيهِ مَرَدَةَ الشَّيَاطِينِ؟! كَيْفَ لاَ يُبَشَّرُ الْعَابِدُ بِشَهْرٍ فِيِهِ لَيْلَةٌ هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ؟! شَهْرٌ لاَ تُحْصَى فَضَائِلُهُ، وَلاَ تُعَدُّ فَوَائِدُهُ، فَكَيْفَ لاَ يُبَشَّرُ بِهِ؟!
وَلِكَيْ لاَ يَفُوتَ الشَّهْرُ عَلَيْنَا؛ كَانَ لِزَامًا عَلَيْنَا اسْتِحْضَارُ فَضَائِلَ رِمَضَانَ، وَعَقْدُ الْعَزْمِ عَلَى اسْتِغْلاَلِ كُلِّ لَحَظَاتِهِ إِذَا أَدْرَكْنَاهُ؛ وَتَذَكُّرُ مِنَّةِ اللهِ وَكَرَمِهِ؛ حَيْثُ أَبْقَانَا اللهُ لِنُدْرِكَ هَذِهِ الْفَضَائِلَ، وَحَرَمَ مِنْهَا الْكَثِيرَ، كَمْ مِنَ النَّاسِ مَنْ كَانَ يُخَطِّطُ إِدْرَاكَ رَمَضَانَ وَصِيَامَهُ ، وَقَدْ صَامَ أَعْوَامًا وَلَكِنْ تَخَطَّفَتْهُ الْمَنِيَّةُ، وَرَحَلَ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَكَانَ يُمَنِّي نَفْسَهُ لِهَذَا الشَّهْرِ!
تَأَمَّلْ قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ وَآلِهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ، فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَت أَبْوَابُ النَّارِ، وصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ»، وَقَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ وَآلِهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –: «فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ» أَيْ أَنَّهَا تُفَتَّحُ أَبْوَابُهَا الثَّمَانِيَةُ؛ وَهَذَا دَلاَلَةٌ عَلَى كَثْرَةِ الأَعْمَالِ الَّتِي تُدْخِلُ الْجَنَّةَ، مِنْ صِيَامٍ وَصَلاةٍ وَذِكْرٍ وَتِلاَوَةٍ وَاعْتِكَافٍ وَعُمْرَةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِ ذَلكَ مِن أَعْمَالِ البِرِّ ؛ فَكَيْفَ يَغْفُلُ الْعَبْدُ عَنْ هَذَا الْفَضْلِ الْعَظِيمِ.
فَكَأَنَّهُ يُقَالُ لِلْمُسْلِمِ: هَا هِيَ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ قَدْ فُتِّحَتْ، فَأَقْبِلْ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِكَيْ تَدْخُلَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ الْجَنَّةَ، فَكَيْفَ يَغْفُلُ الْمُسْلِمُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ عَنْ هَذَا الْفَضْلِ؟!
وَتَأَمَّلُوا أَيْضًا: أَبْوَابُ النَّارِ تَكُونُ مُغْلَقَةً! حَرِيٌّ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الْمَعَاصِي فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ، وَخُصُوصًا فِي رَمَضَانَ لِيَنْجُوَ مِنَ النَّارِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ عُتَقَاءِ النَّارِ؛ فَإِنَّ للهِ عُتَقَاءَ فِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهُ.
وَتَأَمَّلُوا قَوْلَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «وَإِنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً» هَذَا دَلِيلٌ عَلَى خُصُوصِيَّةٍ فِي رَمَضَانَ يَنْبَغِي أَنْ نَحْرِصَ عَلَيْهَا، وَنُحَرِّصَ كَذَلِكَ أبْنَاءَنا وَإِخْوَانَنَا الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا؛ فَقَدْ ذَكَرَ اللهُ آيَاتِ الصِّيَامِ كَمَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَبَيْنَهَا، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
ثُمَّ نَتَأَمَّلْ مِنَّةَ اللهِ عَلَيْنَا فِي رَمَضَانَ بِتَصْفِيدِ مَرَدَةِ الشَّيَاطِينِ؛ أَيْ: تُوضَعُ فِي أَرْجُلِهِمُ السَّلاَسِلُ وَالْقُيُودُ، فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُلُوصَ إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَهُمْ سَبَبٌ فِي إِغْوَاءِ الْبَشَرِ وَصَدِّهِمْ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مِنْ أَبْوَابِهَا الثَّمَانِيَةِ، وَهُمْ سَبَبٌ فِي دُخُولِ بَعْضِ النَّاسِ النَّارَ؛ فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْثِهِ وَنَفْخِهِ فِي رَمَضَانَ وَفِي غَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ مِنْ نَفْسِهِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، وَأَنْ يَحْذَرَ أَيْضًا مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَأَجْهِزَةِ السُّوءِ وَآلاَتِ السُّوءِ؛ فَإِنْ لَمْ يَغْفِرِ اللهُ لَنَا فِي هَذَا الْمَوْسِمِ الْمُبَارَكِ فَقَدْ خِبْنَا وَخَسِرْنَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ» [ رواه الترمذي، وصححه الألباني ].
والواقع أن مِنْ أَعْظَمِ مَا يَسْتَعِدُّ لَهُ النَّاصِحُ لِنَفْسِهِ قَبْلَ دُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ : النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ ، بِأَنْ يَنْوِيَ وَيَعْزِمَ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ ، بَعْدَ مَعْرِفَةِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ فِي رَمَضَانَ ! لِتَكُونَ حَاضِرَةً فِي نِيَّةِ الْعَبْدِ لِيُؤْجَرَ عَلَيْهَا ؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «فَمَنْ هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا، كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ …» [متفق عليه].
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: « إذَا مَرِضَ العَبْدُ، أوْ سَافَرَ، كُتِبَ له مِثْلُ ما كانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا » [رواه البخاري].
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ لِأَبِيهِ يَوْمًا: أَوْصِنِي يَا أَبَتِ، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ انْوِ الْخَيْرَ؛ فَإِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا نَوَيْتَ الْخَيْرَ».