
بداية كتابتي كانت رسائلي لأبي رحمه الله، لقد بعثت له مئات الرسائل وهو في الغرفة المجاورة، فقط لأني كنت أجبُن على مواجهته، فكلما عاقبني أو نهرني كنت أبكي كثيرا ولا أواجهه أبدا، بل كنت أرسل له خطابات مبللة بالدموع، وأعلق على حيطان البيت بعض اللافتات المنددة بالتسلط والظلم (رؤيتي أثناء الطفولة والمراهقة)، ولقد كان أبي يتعجب من كثرة كتاباتي وكان رده الوحيد دوما (سلوى يليق بها اللون الأخضر)، وانتهت رسائلي لأبي بموته.
الرجل الذي أحببته أيضاً كنت أبعث له الرسائل، ربما لم تصله أغلبها؛ لكن ما وصله مني كان كافيا بالنسبة لي، لأعبر عن مشاعري تجاهه، أما بالنسبة له فيبدو أن الخطاب لم يكن واضحا، لأنه لم يناقشني في حرف به، بل اكتفى بجملة(ما زال عطرك عالقا بالخطاب رغم مرور السنين). وانتهت رسائلي له عندما علمت أنه أشعل النار بالورقة ليوقد المدفأة.
والآن أكتب رسائلي للعابرين أمام وجه القمر يلقون بظلالهم عليهم، وللمسافرين في جوف الليل يتخفون من ضوء النهار، للماكثين خلف جدران الألم ينتظرون الموت الرحيم، للرعاة في أعالي الجبال لا يراهم سوى الله.
أكتب عندما يتوقف الكون عن الكتابة، عندما يهجر العاشقون أقلامهم، عندما يسود الليل ونشتاق لضوء الكلمة.
وسأتوقف فقط عندما يسكن نبضي.










