استمرّت ثرثرتنا إلى أن بدأ الفيلم، وككلّ مرّة كنت ونور نراقب تفاعل والدتي مع الأحداث من خلال ملامح وجهها الجادّة، ونضحك فيما بيننا، بينما هي متسمّرة أمام فاتن حمامة دون حراك، تناولنا ورق العنب بنهم شديد، فقد كانت الوجبة الّتي ننتظرها دومًا بلهفة شديدة، نظرًا لأنّ أمّي لا تعدّها باستمرار، فهي وجبة تحتاج إلى مجهود أكبر من غيرها.
خلوت بغرفتي بعد تناول الغذاء، ورحلت إلى أرض التّين والزّيتون مع محمود درويش، تخلّل رحلتي شرود غريب مع رفيق الصّباح، كنت أنتظر بفارغ الصّبر يوم الأربعاء، أعددت العديد من الحوارات والسّيناريوهات لهذا اللّقاء، وكم من المرّات استرجعتها حتّى أكون على شجاعة وثقة عند الحديث.
جاء يوم الأربعاء الّذي طال انتظاره، توجّهت إلى كافتيريا كليّة الهندسة في موعد الغذاء، كان الجوّ باردًا، والسّماء كانت تزخر بغيوم متفرّقة تحاول الانضمام إلى بعضها، لتشكّل سحبًا قد تفاجئني في أيّ لحظة بقطرات المطر، أو ربّما بغزير من خير، لهذا وضعت الكتاب في حقيبتي احتسابًا لأيّ مفاجأة، قد تجلب المصادفات لنا السّعادة أحيانا، كذلك القرارات الصّغيرة قد ترسم حياتنا أو تسبر مستقبلنا، ماذا لو أنّني استجبت إلى نداء دفء السّرير في ذلك اليوم الموعود؟ هل كنت سأشعر بالسّعادة الّتي تكاد تغمرني الآن؟ الخجل كان يبطئ ويثقل خطواتي، وأنا أحاول صعود الدّرجات الّتي تصل إلى كافتيريا الهندسة، أشجار السّرو كانت تحيط بجانبيّ الطّريق، وترافقني في وجهتي، أمر غريب لم أتيقّن منه كان يعاكس هذا التّثاقل، فأجدني مسرعة الخطوات بتناغم يشابه دقّات قلبي.
وصلت إلى السّاحة الفسيحة الّتي تقابل كليّة الهندسة، ثم توجّهت إلى باب الكافتيريا في الطّابق السّفلي، الشّبابيك الّزجاجيّة كانت تحيط بالكافتيريا من كلّ الجهات المقابلة للسّاحة الخارجيّة، دخلت الكافتيريا، هممت بتفحّص المكان لمعرفة التّفاصيل، لكن لم أتمكّن من ذلك، فقد تفاجأت بقدوم الشّاب الّذي لم أعرف اسمه بعد، استقبلني بنفس الابتسامة، ثمّ توجّه بي إلى طاولة في ركن الكافتيريا، أعجبني ذلك المكان، يتماشى مع خجلي ، كنت أودّ أن أكون في مكان يشعرني بالهدوء، الكافتيريا كانت مزدحمة، تعجّ بالطّلّاب بسبب البرد، أظنّ لن يكون هذا حالهم في الصّيف، سينطلقون بلا شكّ في فسحة السّاحة الخارجيّة لاستنشاق الهواء الطّلق، والتّنعم بأشعّة الشّمس بعد محاضراتهم المرهقة، كانت أصواتهم تملأ المكان
اترك تعليقك ...