بدأت أتفحّص الكافتيريا بهدوء، تنتشر فيها الطّاولات والكراسي بترتيب منتظم، على أحد جوانبها درج يبدو أنّه يصعد إلى بقيّة المبنى، على جانبها الآخر يوجد المطعم الّذي يصطفّ أمامه عدد من الطّلاب، ينتظرون دورهم لشراء وجباتهم، حاولت أن أهرب بعينيّ، وأتجوّل بهما بعيدًا عن عينيه، لأخفي الإحراج الّذي أصابني، بادرني بسؤاله: كيف حالك؟ ليقطع الصّمت الّذي خيّم علينا، أجبته: بخير، ولم أزد، التقت بعدها عيوننا، ابتسمت بخجل، حاولت أن ألملم ارتباكي ، لكن تبًّا لحمرة الخجل حينما نعجز أن نخفيها، وكأنّ سهمًا أصاب شريان قلبي، فجعل الدّم يسري بدفء، ليلوّن وجنتيّ بحمرته، يبدو أنّها الأرواح المتشابهة حين تلتقي، هكذا فسّرت ما حدث، قد ترتسم معالم حياتنا أحيانًا بمحض المصادفة دون تخطيط مسبق، أو على العكس من ذلك، فقد نقضي جزءًا كبيرًا من حياتنا نحاول أن نخطّط لأمر ما، لكنّ الأقدار تقف في طريق إتمامه، لم أخطّط يومًا أن ألتقي بشبيه الروح، ولم أؤمن يومًا بأنّ هناك من يشبهني، لماذا بتّ أسيرة هذا الوهم، أو هذه الفكرة الّتي لم أؤمن بها يومًا؟
سألني: ماذا أفضّل أن أشرب؟ أجبته بتردّد: قهوة مع سكّر خفيف، استأذن منّي وذهب نحو الكاونتر لإحضار فنجانين من القهوة، تنفّست الصّعداء قليلا، وتناقص توتّري، لكنّ ذهني كان يجوب طرقات الدّهشة والانبهار والاستهجان في آن واحد، ماذا أفعل هنا؟ وما القوّة الّتي جذبتني إلى شخص التقيته بضع دقائق فقط ، ليجعلني أسيرة قرارات غريبة لا أفهمها؟ رغم كلّ ذلك كنت أنتظر عودته، كان وجهه ممتلئًا بتلك الابتسامة الخجولة كما المرّة الأولى الّتي التقيته بها، لا أدري لماذا يعجبني الشّخص الخجول، ربما لأنّ لديّ اعتقادًا بأنّه إنسان مسالم لا يستطيع أن يؤذي أحدًا، أو يتورّط بعمل مشين، أظنّ خجله ناتجًا عن تربية سليمة، أو قد يكون مكتسبًا بالجينات الوراثيّة، ولا علاقة له بضعف في شخصيّته أو انعدام ثقته بنفسه، كلّ تصرّفاته تشير إلى شخص قويّ واثق، أردت أن أبعد عن تفكيري احتماليّة صحّة فرضيّات علماء النّفس الّتي تقول: إنّ الخجل قد يكون إحدى صفات الشخصيّة المهتزّة غير الواثقة، وأقنع نفسي بأنّ خجله حسب حدسي ينمّ عن حسن خلقه.
اترك تعليقك ...