900
900
مقالات

أنفاس أمي تقترب…

بقلم / سلوى مرجان

900
900

أنفاس أمي تقترب، ثم أشعر بيديها تحملني على كتفها، فتحت عيني قليلا حتى لا تشعر باستيقاظي وتجعلني أمشي.
الغريبة أن الليل لم يرحل بعد، هذا ليس وقتا للعمل، إلى أين ستحملني في هذه الساعة؟!
كانت هناك أصوات كثيرة بالخارج، ربما صراخ أو لعب… لا أفهم، حتى شقتنا لم تكن مرتبة كالعادة، كان أبي يلتقط شيئا من هنا وشيئا من هناك ويضعهم بسرعة في حقيبة كبيرة، وهو الآخر يحمل على كتفه أخي التوأم الذي غمز لي بسعادة، لأن أبي قلما يحمله.
ثم هتف أبي بأمي: أين شهادات ميلاد الصغار؟
أجابت وهي تحملني وتجري مسرعة لغرفتها: سأحضرها حالا.
خبطتني أمي دون قصد منها في الباب، فتأوهت بصوت عال، فأنزلتني بسرعة وقبّلت رأسي معتذرة، وعندما أتت بما تريد أمسكت يدي وجرت بي للخارج، فرأيت أخي ما زال على كتف أبي فقلت بضيق: شريف مستيقظ هو الآخر.
لكن أبي بدا وكأنه لم يسمعني، جذب بسرعة الحقائب وأغلق جميع الأنوار وخرجنا من البيت مسرعين وكأن أحدهم يجري خلفنا.
في الشارع كانت الناس تجري بسرعة والجميع يجر حقائب كبيرة الحجم. كنا نجري وسط الزحام ونرتطم كل ثانية، توسلت لأمي أن تتوقف عن الجري، فقدمي تؤلمني جدا، فوقفت لثانية فقط ونظرت لي بشفقة وقالت: أعلم يا حبيبتي لكن لا وقت لدينا….
ثم نظرت أمامها فوجدت أبي وأخي قد ابتعدا كثيرا، فوضعتني فوق الحقيبة الكبيرة التي تجرها وقالت آمرة: تمسكي بها جيدا.
أعجبتني الفكرة، وأمسكت الحقيبة بكل قوتي، واستمتعت برحلتي فوقها….. حتى سمعنا أصوات طائرات فوقنا مباشرة، فصحت بسعادة وأنا أرفع يدي نحو السماء: طائرة.
لكن سعادتي لم تكتمل، فقد وقعت من فوق الحقيبة ونظرت حولي فرأيت الكثير من الناس يجرون، ولمحت أمي تبتعد، وهي تجر الحقيبة، حاولت اللحاق بها، خطوتين فقط وأعاقت حركتي عائلة كبيرة مرت من أمامي، عدد أفرادها تجاوز أصابعي العشر، أعرف طفلة منهم هي صديقتي بالروضة واسمها رودي، ناديت عليها فأشارت لي بسعادة ولكنها لم تتوقف.
عربة كبيرة كانت تطلق سارينتها ليفسح لها الجميع الطريق، ثم فجأة قبض أحدهم على معصمي، وكان رجلا طويلا، سألني بسرعة: هل أنتِ تائهة؟
قلت وأنا أشير لبعيد: أمي لم تشعر بي عندما وقعت من فوق الحقيبة، لكنها سترجع الآن.
جذبني الرجل وهو يقول بغلظة: سنبحث عنها.
صرخت به وأنا أفلت يدي من قبضته: أمي قالت لا أصدق الغرباء، ولا أذهب معهم.
من خلفنا سمعت صوت امرأة تصيح به: دعها من المؤكد ستعود أمها .
نظر الرجل لها وتحرك معها وهو يقول: ليتها تعود.
أخبرتني أمي العام الماضي عندما ضاعت مني في السوق ووجدتها بعدما جلست وتناولت العصير عند بائع السمك: عندما لا تجديني، لا تتحركي من مكانك، سأرجع لنفس المكان.
لذا قررت أن أبقى مكاني، وأنظر للسماء أتابع الطائرات.
يمر الوقت ولا تأتي أمي، لكنها حتما ستعود….
فجأة بدأ الناس يصرخون ويجرون أسرع، أسرع بكثير.
شعرت بالخوف من الصراخ الذي يحيط بي، بدأت أجري أنا الآخر، وأجرى وأجري…كنت أعدو ولا أفهم السبب، لكن الجميع يفعل ذلك، ربما هو وحش كبير يجري خلفهم، وأنا لا أريد أن يأكلني الوحش….
فجأة توقفت عندما رأيت بعضا من الناس واقعين على الأرض تغطي وجوههم الدماء، أدركت وقتها أن الوحش قد نال منهم، لذلك لن أتوقف أبداً، صرخت أنا الأخرى مثل الجميع وأنا أتخيل ذلك الوحش الذي لابد له أكثر من رأس وأكثر من يد.
وقفت ألتقط أنفاسي مرة أخرى، ولكن هذه المرة لمحت حقيبتنا الكبيرة ملقاة على الأرض، فاقتربت منها أتحسسها لأتأكد، لماذا ألقتها أمي هناك؟ جلست بجوارها واحتضنتها وأنا أبكي وأصرخ: آسفة يا أمي لقد تركت الحقيبة، وأضعتك.
لكني سمعت صوتها من خلفي تصرخ بسعادة: حبيبتي ها أنتِ.
احتضنتني بقوة وحملتني فوق ذراعها ثم عادت تمسك بالحقيبة وتجري من الوحش.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى