900
900
مقالات

الجزء ١٤ “هناك في شيكاغو”

بقلم / هناء عبيد

900
900

عيناك لهما بريق خاص يجعلني أستشعر الأمان بحضورهما، تختبئ في عمقهما حمائم حريّة، وحبال تجرّ الأمل من خلف السّحب. ربّما أعجبني فيك ما لم يرق لغيري. “إصبعك المفقودة في يدك اليمنى” تذكّرني بتلك الأجساد الّتي تشعل نورًا وشعاعات أمل في النّفوس الّتي أرهقها اليأس في زمن التّخاذل والانهزام. ماذا يمكن أن نقدّم أكثر من أجسادنا وأرواحنا في سبيل استرداد الكرامة، واسترجاع الحقّ وصون الأرض؟ سيظلّ ذلك الجزء المبتور في يدك مطرقة تدقّ الضّمائر الّتي اندثرت تحت بريق المعادن والأوراق الخضراء، لتوقظها وتعيدها إلى رشدها يومًا.
أصبح موعدنا الأسبوعيّ هدفًا أنشده وأنتظره بالدّقائق. أستمع من خلاله إلى ذكرياتك الّتي أستعيدها في كلّ لحظة. أعجبتني أمّك الّتي رحلت بك إلى القرية، وبذلت قصارى جهدها في تعليمك. كأنّني عشت معكما في الغرفة الصّغيرة الضيّقة الّتي تحيطها الجدران الرّطبة. لعبت معك في فناء الدّار بالكرة المصنوعة من الجوارب. رعيت معك الأغنام، وشربت من حليبها الطّازج. أكلت من التّين الحلو المذاق، واستظللت بأوراق الكرمة المترامية على أطراف السّور. ذهبت مع أمّك إلى السّيدات في المدينة، لنعرض منتوجاتها من الأثواب المطرّزة ونبيعها لهنّ. عشت حلمها حين تحقّق بنجاحك في الثّانويّة، ثمّ حين التحقت بكليّة الهندسة في الأردن. أشفقت عليك بسبب وحدتك، فلم يكن لك الأخ أو الأخت اللّذان يحملان بعض أعبائك إن ضاقت بك الدّنيا. لم تحدّثني كثيرًا عن والدك، شعرت بأنّ أمّك كانت تقضي الوقت الأكبر معك، ربّما كان والدك يقضي نهاره في العمل. لم تحدّثني عن القرية كثيرًا، حدّثتني عن أشجارها المثمرة الجميلة وجوّها المنعش وأناسها الطيّبين. كلّ أحاديثك الجميلة انحفرت في ذاكرتي كما النّقش في الصّخر.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى