الجزء ٢٧ “هناك في شيكاغو”
بقلم / هناء عبيد
يا إلهي… أما زلت تذكرين ذلك؟!
كيف لي أن أنسى أجمل الذّكريات؟!
ما رأيك أن نلقي نظرة على مذياعك المفضّل إذن؟! ضحكت وقلت:
لا تصدّق كم أنا بحاجة إلى ذلك، ثمّ قام وصحبني إلى غرفة مكتبه المنظّم بدقّة. المكتب بدا لامعًا كما دومًا. الرّفوف عليها كتب وصحف قديمة وبعض مجلّات الأطفال الّتي كان يحرص دومًا أن يحضرها أسبوعيًا لنا عند عودته من العمل. خصّص رفًّا كاملًا لأشرطة الأغاني الّتي كان يفضّلها؛ أشرطة فريد الأطرش وأمّ كلثوم وعبد الوهّاب، حتّى الأشرطة الّتي كنّا نطلبها منه، وكانت تناسب ذائقة مراهقتنا في أحد الأزمنة الغابرة كان يحتفظ بها؛ أشرطة البي جيز وبوني أم وآبا ومايكل جاكسون ومادونا. في الرّف الأسفل كان يقبع المذياع الكبير، لم يتغيّر، حتّى لمعته احتفظ بها، نظرنا إليه وضحكنا.
يا لها من ذكريات لا تنسى.
كنت أستأنس بالحديث مع والدي عن ذكريات الطّفولة بين حين وآخر. أقاطع تركيزه وهو يتابع نشرة أخبار، يهفو قلبه لأن تحمل له معها بشرى سارّة. ما زال ينتعش بأمل العودة. مسكين والدي رحل والده ووالدته ومعظم أحبابه، وما زال ينتظر الضّوء الّذي سينفلج من قلب الصّخر.
كأنّ السّماء تدرك القادم أحيانًا. في ذلك اليوم اختبأت الشّمس. كانت الغيوم سوداء مثقلة بالهموم. الظّلام خيّم على المكان مبكّرًا. شعرت بيأس يحلّق في البيت. لم أر ابتسامة والدتي منذ الصّباح حينما ودّعت والدي وهو متّجه إلى عمله في مزرعة صديقه.
















