مقالات

الصراع السوداني.. وآثاره على مصر والعالم

بقلم / عمرو علاء

في ظل اشتعال الجبهات العالمية ما بين حروب عسكرية متمثلة في الحرب الروسية-الاوكرانية.. الى التوتر السياسي بين الجبهات سواء كان بخصوص النزاع الصيني-الامريكي بسبب التنافس الاقتصادي او قضية تايون.. الى التنافس الخفي بين روسيا و فرنسا في افريقيا.. وأخيرا القضية السودانية التي تعتبر من احدث القضايا على مسرح السياسة العالمية في الوقت الراهن.. ذلك الصراع الذي لا يعرف له احد معالم او يستطيع التكهن بالسيناريو الذي سينتهي به.. فبالطبع مثله كمثل كل الاحداث المذكورة له آثار على الدول الخارجية و بالتحديد الدول المجاورة للسودان، اولها و اهمها مصر لما لها من حدود سياسية طولية مع السودان مما يجعلها عُرضة اكثر للهجرة الغير شرعية.. والتي ترحب دائما باللاجئين و دمجهم مع الشعب، الى جانب العديد من العوامل الاخرى التي سيتم مناقشتها و لكن اولا : من الذي بدأ الصراع في السودان؟.
هو صراع سلطوي بحت بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” الذان جمعتهما صداقة و تعاون منذ اكثر من عقدين منذ اتحادهما خلال ازمة دارفور ٢٠٠٣ الى اتحادهما مرة اخرى في ٢٠١٩ و اتفاقهما على اسقاط نظام البشير المستبد و تشكيل مجلس عسكري يحكم البلاد قاده البرهان آن ذاك.. و كان حمدتي نائبه، لكن سرعان ما بدأت الخلافات بينهم على ترأس السلطة فلم يبرم الجانبين اتفاق يدمج قوات الدعم السريع البالغ عددها حوالي ١٠٠ الف جندي في الجيش السوداني، بالإضافة إلى الخلاف علي الشخصية التي ستتقلد منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، من ثم بدأ الصراع في الخامس عشر من ابريل الماضي بهجوم قوات التدخل السريع على قواعد الجيش السوداني و منذ ذلك الحين استمر القتال و استمر تبادل الهجمات بين الطرفين.
و مما لاشك فيه أن هذه الاحداث تجذب اهتمام العديد من الاطراف الخارجية ابرزها روسيا التي كانت تعمل على تعزيز علاقاتها مع قائد قوات الدعم السريع “حمدتي” مما يسهل لروسيا حق الوصول إلى ثروات الذهب في الدولة الواقعة في شرق افريقيا مقابل الدعم العسكري والسياسي.. و الجدير بالذكر ان كمية الذهب الذي تأخذه روسيا من السودان يمثل جزء كبير من الذهب المحتفظ به في البنك المركزي الروسي، ناهينا عن نسيان تغلغل المصالح الروسية في السودان بسبب تواجد قوات فاغنر الروسية التي تؤمن مناجم الذهب، و على الناحية الاخرى ذلك التوغل الروسي في السودان او في افريقيا عموما لا يرضي الولايات المتحدة و ايضا الاتحاد الاوروبي الذين يتدخلون في هذه القضية للحد من هذا التوغل بدعمهم للجانب الاخر بقيادة البرهان، لكن لا تظهر اي تحركات مكشوفة لكل من هذه الاطراف حتى هذه اللحظة.
اما حين يتعلق الامر بمصر فمن حيث دعم طرف ما فمصر حتى الان لم تعلن دعمها لطرف من الطرفين او قامت بفعل يدل على الانحياز لطرف ما و لكن كان موقف مصر واضح من البداية الا و هو : الوساطة بين الطرفين و محاولة الوصول لحل لايقاف النزاع و محاولة اخذ الصراع الى طاولة المفاوضات و هذا هو الحل الامثل في الوقت الراهن لمصر حيث ذلك الصراع يؤثر على امنها الاقليمي و الاستراتيجي و الاقتصادي، فيما يلي سيتم استعراض اثار الصراع السوداني على مصر.
اولاً: آثار اقتصادية
ربما يكون اكبر تهديد ينتج عن الصراع السوداني لمصر لما تمثله السودان من مُورداً رئيسياً لمصر للمواشي و اللحوم و التي تعتبر احدى السلع الاستراتيجية لمصر.. حيث يمثل السوق السوداني ١٠% من احتياجات مصر من هذه السلع، فأستمرار هذا الصراع يعني تقلص تلك الواردات مما سيؤدي بالتأكيد الى التضخم في سوق اللحوم المصري، الى جانب ذلك فأن السودان تحتل المرتبة الثانية بقائمة اكبر الاسواق المستقبلة للصادرات المصرية، كما ان طريق السودان يمثل المدخل لمصر الى اسواق دول حوض النيل و شرق أفريقيا.. فبالتأكيد استمرار هذا الصراع سيؤثر على حجم التبادل التجاري المصري مع الاسواق الافريقية.
ثانياً: آثار سياسية
و التي تتمثل في جانبيين : اولهم تأمين الحدود السياسية المصرية-السودانية البالغ طولها 1276 كم و بالتأكيد ستكون عرضة للهجرة الغير شرعية الى جانب انها قد تكون مدخل للارهاب داخل البلاد، و الجانب الاخر يتمثل في قضية سد النهضة حيث استمرار الصراع بالتأكيد سيؤثر على هذا الملف كون السودان احدى دولتي المصب حيث محاولة مصر لتهدئة الاوضاع السودانية تمثل خطوة كبيرة في جهود مصر للحفاظ على حصتها المائية في ظل استعداد اثيوبيا للملء الرابع للسد.
ثالثاً: آثار اجتماعية
تمثل تحدي كبير للدولة المصرية من حيث التعامل معها خصوصا مع آثار الهجرة القسرية سواء كانت شرعية او غير شرعية لما لها من آثار ديموغرافية وخيمة اولها و اهمها : البطالة لما تمثله الجالية القادمة من ايدي عاملة رخيصة فيفضلها ارباب العمل على الايدي العاملة الوطنية، و مثل هذه هجرات الغير شرعية قد تتسببب في توغل الامراض داخل الدولة الى جانب الاخلال بإحصاءات الدولة السكانية التي تعتبر اساس اتخاذ العديد من القرارات خصوصاً من حيث إنشاء المرافق العامة.

الخلاصة إن الصراع السوداني يسبب العديد من التحركات الظاهرة و الخفية على مسرح السياسية العالمية الى جانب تسببه في القلق للجانب المصري لما يمثل استمراره من خطر على امن مصر الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي, فتكثف الحكومة المصرية جهودها لحل هذا الصراع بشكل سلمي و في اسرع وقت ممكن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى