تتسلل لخبايا الذاكرة بعض من تفاصيل الماضي السحيق …. كانت تتجنبه زمنا طويلا … وتحاول الإبتعاد عن تفاصيله الدفينة ..فتظهر ما بين الفينة والأخرى …وسأخرجها من كبتها المؤلم قصه طويلة … عنوانها /متاهة الحياة….الجزء الأول
…………..متاهة الحياة……..
في مكان أخفي من خرائط العالم المهمش … وفي قرية نائيه أهملتها كتب الجغرافيا ..هناك كانت البدايه .. هناك عانقتني الدنيا واستقبلتني الحياه … أجل هناك ولادتي … لمكان جميل يشبه مافي الروايات الملحميه … على ضفاف نهر طويل ينساب بعذوبه نحو المجهول .. وأشجار الصفصاف تعانق ضفافه وتداعب بأغصانها مياهه العميقة كعمق الأسرار الدفينة……
كنا اطفالا نلهوا بالأحلام التي لا تناسب أعمارنا … غير آبهين بترهات الأيام … أو بخيبات الكبار وإنكسار الفقد والخذلان … هناك أتممت دراستي في المرحلة الابتدائية …. كنت تواقا للإلتحاق بالمرحلة التاليه من الدراسة ليس حبا بالتعليم ..لأن ذاك العمر لم يكن يعرف قيمة الأشياء المستقبلية….. ولكن لكي أركب الحافلة في كل صباح فأنتقل بها لصخب المدينة وضوضاء الشوارع …. ولكم كنت احب أن أخرج يدي من نافذه الحافلة الطويلة ..متغافلا تنبيهات العم ابو ميخائيل … الرجل الصارم صاحب الحافلة ….وأداعب نسمات الهواء العليل متموجا بيدي وكأني أصنع أمواج المستقبل القريب ….أعود للمنزل لتستقبلني والدتي بأبتسامتها المعتادة ..لنجتمع كعائله واحدة على ما تيسر من طعام متواضع … يكافح والدي من اجلنا ليلا نهارا …. حين كنا لا ندري أن مسار الأيام لم ولن يتبع مسار الأحلام ….
والدي أجل ذلك الرجل الريفي العتيد .. الذي لا يمل العمل ….. لطالما كنت أتساءل لماذا لا يضحك معنا لماذا يعود عابسا شاردا … مع انه يحاول بكل طاقته ان يؤمن لنا ما تيسر لأي أسرة متوسطة الحال …. ولا أخفي أنه كان يحمل من القسوة ..ما أثر مستقبلا على شخصيتي وتكوينها بعد تعاقب الأيام ….
أنهيت المرحله الإعدادية … حينها وفي ذلك الوقت عرفت ما هو معنى العلم والثقافه ..وحينها ولدت أول قصائدي ونثري … وحبي الأول ..ذاك الحب الذي يلازمك مدى الحياة ..والذي يدفعك للبحث دائما عن قدسيته ما دام في قلبك نبض من آمال ….
وهناك بين ربوع تكوين الأحلام والدروب التي إخترتها لتسلكها كانت البداية …او بداية النهاية لمداعبة الآمال والاحلام وبدأت مسيرة الأيام تأخذ ذاك المنحنى الذي قلّب كل ما كان من الأحلام………..يتبع.
