بقلم / سلوى مرجان
لا تلومني إن رأيتني مستسلمة للريح، مستسلمة للموج، والموت لا يعنيني.
في الصباح كان كل شيء كما هو، فلا أشياء مكسورة، ولا شخصاً مفقوداً، حتى أنني أخذت أبحث بعيني أثناء الإفطار إن كان هناك شيء غريب لكنني لم أجد، ويبدو أن أمي لاحظت عيني التي تدور في كل مكان ، فسألتني وهي جالسة على رأس المائدة:
– خيرا يا كاميليا، كأنك تبحثين عن شيء!
– لا يا أمي، عم سأبحث؟
اتجهت لغرفتها وهي تقول لي :
– اتبعيني.
تركت طعامي وجريت وراءها بسرعة، فطلبت مني أن أغلق الباب، وكانت حجرتها كبيرة جدا، وبها مكتب واسع في الواجهة، ومكتبة على اليسار، وعلى اليمين أربعة كراسي حول منضدة صغيرة.
وقفت أمامها فأشارت لي لأجلس، ثم أخذت تتأملني بنظرات أفزعتني، كانت تحدق بي وعلى جانب شفتيها ابتسامة ساخرة، وبعد أن كدت أموت خوفاً، سألتني:
– ما أخبار فيروز؟
تلعثمت وأنا لا أعرف بما أجيب:
– من فيروز؟
– فيروز التي ألقيتها في القمامة.
– لا أعرف عنها شيئا.
– وهل هذا معقول؟! لقد كنتما صديقتين.
– كنا أخوة.
– والآن؟
– لم أرها منذ ذلك اليوم.
– حسنا ….. ونجاة ؟
– أنا لم تكن صلتي وطيدة بها.
وقفت فجأة وتحركت أمامي وهي تفكر، ثم بدأ صوتها يتغير وهي تجلس أمامي وتقول بحنان بالغ :
– لا تنظري لقسوتي يا كاميليا أنا هنا ام لاكثر من ثلاثين فتاة وهذا يضع فوق رأسي مسؤولية كبيرة، أريد أن أحافظ عليهن جميعاً، لذا أبدو بتلك الصورة، ولكن الحقيقة أن أتعذب عندما أمد يدي على إحداكن، أنا أعرف أنني قسوت عليك، ولكن هذا خوف وحب.
ثم وضعت يدها تمسح على رأسي، فقلت لها:
– أنا أعلم يا أمي مقدار تعبك ومسؤوليك الكبيرة، لذا فأنا لست غاضبة منك.
ابتسمت ومدت يدها أمام فمي لأقبلها، فقمت بسرعة ووضعت قبلة فوق كفها، فابتسمت وهمت بقول شيئا ولكن سمعنا فجأة صراخ من الخارج، فتركتني بالغرفة وجرت إلى الخارج، ولم أكن أستطيع أن أتبعها لأنها لم تسمح لي بالخروج، فبقيت مكاني وكنت أسمع الصراخ يزداد ولا أعرف ما يحدث، نظرت إلى الخارج وأنا في مكاني، فوجدتهم جميعا قد صعدوا لأعلى، جلست على الكرسي وكأنني سمعت صوتاً مكتوما، أو ربما بكاء ، لم أفهم، ولكن الصوت كان قريباً، أرهفت السمع فإذا هو صوت أحد يستغيث، قلت لنفسي ربما الصوت من خارج البيت، لكنه كان يئن بشدة كأن أحدهم يتألم…..
أخيراً سمعت جملة جعلت رأسي يشيب:
– سامحيني يا أمي سأموت في هذا القبو…..
أخذت أنظر حولي بفزع وهمست:
– من أنت؟، أين أنت؟
لكن يبدو أن الصوت لم يسمعني، وفجأة ظهرت أمامي الأم الصغيرة وصاحت بغضب:
– ماذا تفعلين هنا؟
– أمي تركتني هنا.
– اخرجي الآن، لنرى تلك المصيبة الجديدة.
سألتها بفزع:
– ما الأمر؟
– لقد انتحرت دعاء.
★★★★★★★★★★
بعد هذه الحادثة أتت الشرطة بالطبع وكانوا يسألون الجميع عن حالتنا في الدار وإن كان هناك أي شكاوى، وبالطبع كنا نجيب أننا محظوظون لوجودنا هنا، وأننا نتلقى أفضل رعاية ومعاملة، وكشف الأطباء علينا ليتأكدوا من عدم وجود أي إيذاء بدني واقع علينا، وعندما وجدوا بعض العلامات في كتف هدى وباقي آثار التعذيب في قدمي، أنكرنا نحن الاثنان نهائيا هذا الأمر، لكننا لم نجد مبررا لنقوله.
ذهبت في الموعد لأسامة واستقبلني بتجهم وركبت السيارة معه فلم يبادلني كلمة، فقصصت عليه ما قالته أمي لي، وما سمعته بعد ذلك في الحجرة، ثم انتحار دعاء، فكان تعليقه الوحيد:
– وما زلت مصرة على البقاء في الدار، حتى تكوني مثل إحدهن.
– قلت لك أمي ليس لها يد في مسألة الانتحار.
– والقبو؟
– لا أعرف، كلنا موجودون، فمن تلك التي سمعتها؟!
– ربما تكون واحدة من التي سألتك عنهن؟
– لا….. فيروز انتحرت هي الأخرى ونجاة هربت منذ فترة.
– هربت مع من؟
– نجاة الوحيدة التي كانت تملك المال، لا أعلم لم هربت.
– ولماذا هي الوحيدة المسموح لها بالمال؟!
– لا أعلم، لم أفكر في الأمر من قبل.
وصلنا إلى البيت، وجلست مع لورين لساعتين، وبعدما انتهيت لن يكن أسامة موجودا، فأخبرتني الجدة أن بشير أحضر لي الأجرة، لأن أسامة ذهب لأمر هام في العمل.
ركبت مع الأجرة وشعرت بحزن غريب، فأسامة لم يكن معي ودودا كالمرة السابقة، ولا أفهم السبب.
أثناء الطريق رأيت سيارته أمام المحل الذي رأيته به المرة السابقة، فطلبت من السائق أن يتوقف بسرعة، وسألته عن الأجرة فأخبرني أن السيدة قد دفعت.
ترجلت من السيارة ووقفت بالباب، فرأيته يجلس مع أحدهم بالداخل، عندما لمحني استأذن وخرج لي، سألني بدهشة:
– هل أنت بخير ؟
– لا
بلهفة قال:
– ماذا بك؟
وضعت وجهي في الأرض وقلت بحزن:
– حزينة لأنك لست ودودا معي كالمرة السابقة.
رفع وجهي لأنظر له وقال بحنان:
– ألا تعرفين لماذا أنا لست ودودا ؟
– لا.
– لأنني أريدك فتاة قوية، أنا لا أراك إلا مثل لورين الصغيرة، وأنت لا تقاومين، لا تتمردين، وتصدقي تلك الأفعى.
– إنها أمي يا سيد أسامة.
رفع حاجبيه بدهشة وردد كلمتي:
– سيد أسامة ؟؟؟!
– أنا لست سيدا، أنا أسامة فقط، وهي ليست أمك، هي الحيزبونة الملعونة.
نظرت له بصمت، فعاد يقول:
– إما أن تقولي لي الآن هيا أوصلني يا أسامة إلى بيت الحيزبونة أو سأتركك تعودين سيرا على الأقدام.
قهقهت من كلامه وقلت:
– هيا يا أسامة إلى بيت الحيزبونة.