بقلم / محمد حسين
أعمارنا الطويله عباره عن سفينه كبيره وسط امواج عاتيه تتلاعب بها عاصفه هوجاء …اما ان تنجو لتضل لشواطئ الامان …او تسحبك الاعماق المظلمه … نحو النهايه المطلقه حيث ينتهي كل شئ ……
استدركت نفسي صغيرا ..اسكن مع جدي وسط غابه كثيفه تملؤها الاشجار التي تعانق السحاب … وكان يحتضنني ذالك الكوخ الخشبي المتواضع .. ونقتات على ما يزرعه جدي بحديقه صغير او على ما يصطادته من طرائد وسط المروج والاشجار …
ترعرعت وانا مقتنع بشكل عام ان هذا العالم ليس سوى غابه كبيره ولا احد يجوب الاراضي الا انا وجدي ..كنت طفلا ساذجا لم تتبلور بمنحنيات عقلي الصغير تلك الاسئله الصغيره التي بدأت تكبر معي عاما بعد عام …
إستمر الوضع هكذا الى أن بلغت الثالثة عشر من عمري ..وهنا بالذات بظأت تتقاتل الأسئله بداخل رأسي مصدعه بتقلباتها …من نحن ..ولماذا نحن هنا …وهل يوجد غيرنا بهذا العالم …
وكان جدي الذي خطت السنون بجبيته خطوط من حياه طويله وشقاء لا نضير له يهرب من أسئلتي وهو يعلم أنه يجب ان يبوح لي بذاك السر العميق …
لم يكن يتذمر من أسئلتي ..بل كان يتحسس ذقنه الطويله المخضبه بالمشيب ..وكأنه يريد ان يقول شيئا ولكنه يصمت …. ثم يستطرق مطولا وكأنه يسترجع ذكريات موجعه ..ولكني كنت أكاد أرى دموعه تنساب بصمت …
استحضر تلك الليله العاصفة من بنات الافكار …كانت الرياح العاليه ترسل صرخاتها المرعبه …وشلالات الأمطار تنهمر محدثه صوتا وضجيجا كأنه الموت كان يحاول التسلل من بين فتحات السقف المتهالك ….. وأنا غارق بهذه الافكار .فجأه تذكرت أن جدي تأخر جدا هذه المرة ..كنت قد اعتدت على خروجه ليلا ونهارا مهما كان الطقس مجنونا أو نائما ….وبدأ الخوف يتسلل لاركان روحي وقلبي مع كل دقيقه تمضي دون أن أسمع صوت صرير الباب وهو يفتح ليعلن عن وصوله … وكم كانت ليلة طويلة … هدأت العاصفه وبدأت خيوط الشمس تضفي شيئا من الدفئ لجنبات المكان والجسد … فقررت الخروج للبحث عن جدي وهذا ما حصل ….
فصرت اتبع دروبا كنت قد اعتدت عليها حيث كان جدي في كل مره يذكرني بصوته الشجي : لا تخرج عن المسار …
انتصفت الشمس معلنه وقت الضهيره أنا أبحث بكل مكان أعرفه …. ولم يبقى امامي سوى ذالك الوادي السحيق الذي لطالما حذرني جدي من الاقتراب منه ..وخصوصا عند هطول الأمطار خوفا من الإنهيارات الأرضيه … وصلت لحافه الوادي وأنا استرق النضر لعمق الوادي …..وهناك كلنت الصدمه التي انتفظ جسدي من هولها …كان هناك ممدا دون حراك …
وصرت اركض يمينا ويسارا كما المجنون أبحث عن طريق للنزول …وبعد عناء وصعوبه بالغه وجدت طريقي وانا اصارع لكي لا أسقط لأني لو سقطت سينتشلني الموت لا محاله …وحين وصلت إليه كان لا يزال على قيد الحياه خائر القوى ..وكأنه كان يستأخر مصيره ليعلن على مسامعي بصوت خافت آخر أسراره والتي ستكون بداية لمسيره طويلة ……
يتبع ………….