900
900
مقالات

د. عادل القليعي يكتب. هكذا علمتنا الفلسفة.. البحث عن الحق التام هو الله

900
900


إنها طبيعة الإنسان دأبه وديدنه البحث عن الحقيقة، والغوص في عالم المجردات، العالم المفارق، الترانستندالي المتعالي، روحه توأقة إلي الوصول إلي المطلق، وهل الإله موجود وما حقيقة وجوده وما حقيقة ذاته، وتلك غريزة وضعها الله في فطرة الإنسان، فمنذ نعومة أظافره يطرح التساؤل الذي قد يثير الدهشة، هل الله موجود وأين يوجد، وإذا كان موجود لماذا لا يتحقق وجوده ونراه، وإذا كان موجود فما هي علاقته بالعالم، ولماذا خلقه، ولماذا خلق الإنسان، وما حقيقة الموت والحياة الآخرة، وهل هناك بعث وجزاء ثوابا وعقابا، ولماذا خلق الموت، ولماذا خلق الخير والشر، ولماذا كتب علي عباده أن يكون منهم شقي ومنهم سعيد
.

هذه الموضوعات كانت شغل الفلاسفة الشاغل منذ القدم بدءا من حضارات الشرق القديم مرورا بالمدارس الطبيعية الأولي اليونانية، المدرسة الايلية، الايونية، الفيثاغورية ، المدرسة الذرية، وكذلك كانت شغل فلاسفة اليونان أفلاطون الذي حدثنا عن عالم آخر عالم تشتاق النفس إليه عالم المثل، ومن قبله سقراط الذي حدثنا عن السعادة في العالم الآخر وتوق النفس إليه، ومن بعدهما أرسطو الذي أولي هذه الموضوعات أهمية خالصة وعالجها معالجة عقلانية أسس علي إثرها فلاسفة الإسلام، أسسوا عليها المدرسة المشائية الأرسطية، ومنهم من قبل فكره ومنهم من قام بنقده، إلي أن وصلنا إلي فلاسفة العصور الوسطي الإسلامية والمسيحية واليهودية، ومن قبلهم فكر المتكلمين، الذين أفردوا مؤلفات بعينها ناقشوا فيها هذه الموضوعات كالمعتزلة والأشاعرة، والماتريدية، وغيرها من المدارس الكلامية.
وكذلك الأمر بالنسبة لفلاسفة العصر الحديث تطرقوا لمثل هذه الموضوعات فنجد علي سبيل المثال ليبنتيز أطلق علي الإله إسم الموناد الأعظم Monedes والذي يعني القوة الفعالة السارية في الكون والتي تهيمن عليه وتتولي تنظيمه وتدبيره.
وكذلك نجد كانط تحدث عن الإله وقال أنه موجود ولا أحد ينكر وجوده وهو فكرة محل للتفكير، بل ومن المعارف الفطرية البدهية، المغروسة بداخل الإنسان وأطلق عليها المعارف القبليةAproiri ، وتأتي بعدها المعارف البعديةApstoroiri، أي التي تأتي بالتعلم والاكتساب والبحث، ونجد هيجل أطلق عليه المطلق، وجاءت جل فلسفته الميتافيزيقية بحثا عن المطلق المفارق المتعالي الترانستندالي بتعبير فلاسفة العصر الحديث.
فالكل أعمل عقله واجتهد قدر طاقته، فالفلسفة بحث للوصول إلي حقائق الأشياء وكليات الأمور حسب طاقة الإنسان وقدراته العقلية، وهذا جد مهم، بل ونحمد لهؤلاء جميعا جهودهم ونباركها.
لكن السؤال ما هي رؤيتنا لهذه القضية وكيف نتعامل معها إذا جبهنا بسؤال حتي قد يكون من الرجل البسيط عامي الإيمان، أو من ملحد لا يعترف بدين ولا ديان، أو من إنسان يحب الفلسفة والتعقل، أو حتي من طفل صغير، وكثيرة هي أسئلة الأطفال المحيرة.
الرأي عندي عندما تطرح هذه الأسئلة من رجل بسيط عامي الإيمان، أين الله، لابد أن تكون اجاباتنا مبسطة واضحة لا يغلب عليه الجدل الفلسفي ولا آراء الفلاسفة، وانما اجابات هادئة موجزة واضحة بذاتها، مثل نعم الله تعالي موجود، ولو كان هذا الرجل يبيع علي عربة بسيطة أي سلعة ترد عليه تقول من الذي هيئ لك هذه السلعة وهذا البيع، بالضرورة قد يرد عليك قائلا الله، إذا الله تعالي موجود.
ولو جبهنا بهذا السؤال من ملحد، كأن يقول الله غير موجود، ماذا سيكون التعامل مع هذا الموقف، لو لم تستطع الرد أتركه وانصرف حتي لا يزداد طغيانا علي طغيانه، وإن كانت لديك القدرة علي الحجاج والمحاججة فلتناقش وتقول ألا تدل البعرة علي البعير، السير علي المسير، ألا تدل سماء ذات ارتفاع وأرض ذات اتساع علي مبدع وخالق خلقها، هو ساعتها قد لا يستطيع أن يرد عليك أو يدخلك في موضوع آخر كأن يقول وحتي لو فرض موجود، فهو لا يخلق الأشياء بحكمة، بمعني كأن يقول لم خلق الليل والنهار، ولم خلق الخير والشر، ولم جعل الناس بعضهم خير وبعضهم شرير، ولماذا يعذب الله الإنسان يوم القيامة، وتلك أسئلة مهمة وحساسة تحتاج إلي فكر منضبط، ردك سيكون وماذا لو لم يخلق الإله هذه الأشياء، هل ستكون حياة، هل تستقيم أمور الإنسان.
كالذي قال نخلة ذات إرتفاع شاهق وتنتج تمرة صغيرة، وعشب بطيخ علي سطح الأرض ينتج بطيخا يزن كيلوات ، وينام تحت النخلة وتسقط عليه تمرة تشج رأسه، فيا أيها المتعلق ما بالك لو النخلة أنتجت بطيخا وسقط علي رأسك.
إذا الله تعالي موجود ولا يحتاج إلي دليل فدليل وجوده كامن في وجوده ليس هذا وحسب بل وفي جوده وعنايته بكل الموجودات، بل وكل الموجودات علويها وسفليها في حاجة إليه ومفتقرة إليه، فيا إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، لكن من أراد الدليل فالدليل موجود، ألا وهو ظهوره في كمونه وكمونه في ظهوره، علنه في سره وسره في علنه، فهو تعالي الأول والآخر والظاهر والباطن.
أما وحدانيته وهذا خطاب للجميع، خطاب عقل نقلي، يقول تعالي، “قل هو الله أحد”فالله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد، لماذا؟! لأن هذه صفات للمحدثات المخلوقات، وكل مخلوق سيفني والله تعالي لا يفني، ليس هذا وحسب بل الله تعالي لا يتبعض ولا يتجزأ ولا يتكثر وليس بذي جهة بعينها بمعني لا تحده الحدود، ولا تدركه الأبصار وانما تعيه البصائر الصافية التي تجردت من شواغل الحس ونزوات المادة ففاضت عليها نورانية خالصة رأت من خلالها ما لا يرآه الآخرون.
أما منطلق العقل، فتعالوا معي أيدكم الله بروح منه وبصيرة، هل تستقيم سفينة في طريقها بربانين، بقائدين، إذا أراد أحدهما أن يتجه يمينا والآخر أراد أن يتجه يسارا واختلافا، هل سيصلنان بالسفينة إلي بر النجاة،منطق العقل يقول لا ستغرق السفينة، وقس علي ذلك، وهذا قياس مع الفارق، للتقريب للأفهام ،الممالك والدول هل تستقيم بملكين أو رئيسين، لا يمكن بحال من الأحوال، لابد وبالحتمية المنطقية لابد من قائد واحد، ولا مندوحة من الاستعانة بوزراء ومستشارين، لكن القرار لن يصدره إلا واحد وإلا سيحدث ما لا يحمد عقباه، وتضيع الممالك والدويلات.
والله تعالى يقول، فاعتبروا يا أولي الألباب، فلنعتبر هذه الآية الكريمة”لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا”، وكذلك”شهد الله أنه لا إله إلا هو ”
وأيضا قوله تعالي”قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذن لابتغوا إلي ذي العرش سبيلا”فما الحال لو كان هناك الهين أحدهما أراد أن يفعل كذا كأن يحيي إنسان، والآخر أراد أماتته، وماذا سيحدث لو تحقق مراد أحدهما دون الآخر، سيحدث أن أحدهما سيكون قادرا والآخر عاجزا، فهل الإله عاجز؟!!! وإذا تحقق مرادهما معا، وهذا مستحيل عقلا، فكيف يكون الإنسان حي وميت في آن واحد؟!!وفي هذا تعطيل للقدرة الإلهية، وهذا محال في حق الإله.
فيا من تشككون في وجود الإله وفي وحدانيته، ويا من تحتكمون إلي العقل، خاطبنا عقولكم، فهل انتهيتم أم ماذا أنتم فاعلون.
قفوا عن منتهاكم ولا تجعلوا الأوهام تتخبطكم ولا تجعلوا الشيطان الماكر يعبث بعقولكم، واعلموا أن الله أعطانا هذه العقول لنتفكر بها فيه وفي مخلوقاته، لا أن تضلنا وتقودنا إلي التيه والضلال.

أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

اترك تعليقك ...
900
900
زر الذهاب إلى الأعلى