د. محمد كامل الباز يكتب : ممنوع وجود المسلمين
الكتّاب والدبلوماسيون فى الغرب أظهروا تعاطف شديد لما يحدث فى غزة بل نجد فى كثير من الأمور أن العديد منهم أظهر دعم وتفاعل أكثر من مثقفينا فى الشرق، قرأت الكثير من المقالات والتدوينات التي تدعم غزة وتهاجم الكيان الإسرائيلي لما يحدث منذ السابع من أكتوبر الماضي، لكن هناك تغريدة لفتت انتباهي واستوقفتني كثيراً للكاتب والدبلوماسي الألماني مراد هوفمان الذي غرد قائلا
( الغرب يتسامح مع كل المعتقدات والملل، حتي مع عبدة الشيطان ولكنه لا يظهر أي تسامح مع المسلمين، فكل شيء مسموح إلا أن تكون مسلماً)
طرق هوفمان باب لم يتجرأ أحد أن يطرقه منذ بداية الصراع مع إسرائيل، دخل ليسبح فى منطقة ممنوع التواجد فيها فضلاً عن السباحة، بالفعل أعتقد أنه فعل كما فعل الفنان الراحل نور الشريف فى أواخر التسعينات وبدأ (الكلام فى الممنوع)
نعم منطقة محظورة فى الحديث وهي التطرق لسبب كل هذا الحقد والظلم الذي نراه من الغرب تجاه فلسطين الحبيبة، هوفمان بالتأكيد لا يقصد غزة فقط ولكن يندهش من هذا العالم الظالم الذي يتخذ من سياسة الكيل بمكيالين منهجاً أصيلاً فى التعامل مع الأزمات، هذا المجتمع الظالم الذي أخذ يعد التحالفات ويعلن الشعارات ويتخذ القرارات فى مطلع الالفينات عندما تم الهجوم على برجين مركز التجاة العالمي بأمريكا فى ١١ سبتمبر وفى أقل من عام كان يدعم أمريكا فى شن حرب شاملة على أمريكا أفغانستان.. رغم تنصلهم مما حدث بل وساعدها بالجنود من كافة أرجاء العالم، هذا المجتمع يغض بصره عما يحدث فى فلسطين وقتل أكثر من خمسين ألف طفل وسيدة مع اعتراف كامل للقاتل وعدم تنصله من جريمته ولكنه مازال يناشد ويقلق، هذا فقط لأن الضحية مسلمين …
مجتمع ظالم وقف كله مع اوكرانيا فى الإعلام والسياسة وكافة الأصعدة بل وفى المباريات أيضاً، وأبدي التعاطف على كافة المجالات مع الشعب الأوكراني لكنه استمر يشاهد القتل والدمار والتخريب فى سوريا وأطلق العنان لنفس العدو روسيا تفعل ما يحلو لها في سوريا عكس ما فعله في أوكرانيا، هذا فقط لأن الضحية مسلمين ..
عالم غريب مازال بعد مرور أكثر من سبعين عاماً يتذكر الهولوكوست فى كل مكان ويحيى ذكراها وفى المقابل يتناسي قتل واغتصاب أكثر من خمسين ألف فى البوسنة والهرسك فى بدايات تسعينات القرن الماضي، هذا أيضاً لأن الضحية كانوا مسلمين …
عالم يعظم من موت الالاف من الأرمن منذ أكثر من قرن من الزمان، ليس هذا فحسب بل يلاحق تركيا فى كافة المحافل الدولية لمقاضتها عما حدث فى حين أن معظم الروايات الموثقة تنفي الواقعة تماماً وتؤكد أن الأرمن هم من بدأوا بالاغارة على القري التركية وما حدث من الأتراك كان دفاعاً عن الحدود إبان الحرب العالمية الأولي!! فى المقابل يغض الطرف هذا المجتمع الظالم عن الالاف وملايين الشهداء من وطننا العربي الغالي فى كل الدول من المحيط للخليج أثناء الاستعمار الفرنسي والانجليزي ولا يذكر أي شيء عنهم هذا فقط كما قال هوفمان لأنهم مسلمين ..
تساءلت مع نفسي ورب الكعبة ماذا ينتظر هذا العالم الكاذب كي يتدخل فى غزة ؟ ماهو الشيء البشع الذي يجعل جمعيات حقوق الإنسان تعلن النفير بعد مقتل كل هؤلاء الأبرياء فى أرض الزيتون، ما وظيفة جمعيات حقوق المرأة فى العالم أم تري أن كل مهمتها تشجيع الزوجات على الطلاق وخراب البيوت!!
مات فى غزة ما لايقل عن عشرين ألف امرأة، ألا يعني ذلك تلك الجمعية المنوط لها حماية حقوق النساء!!
أين جمعيات الأمومة والطفولة ومنظمات حماية الأطفال والتي تتدخل بشدة وعنف إذا تعامل أحد الاباء مع إبنه فى الغرب بشدة وتعنفه، أين هي من مقتل ما لا يقل عن عشرة الآلاف طفل فى غزة، أين مجلس الأمن والناتو وكل تلك الأسامي الرنانة ؟
نعم ..فهمت الضحية للأسف مسلم وهذا ممنوع أو ربما محظور التعامل معهم فى تلك المنظمات …
والله الذي خلق السماوات والأرض بغير عمد لو ما حدث فى أكتوبر الماضي تم ضد مجموعة من الحيوانات أعزكم الله، كنا سنجد فى خلال شهرين العالم ينقلب رأسا على عقب وتتدخل جمعيات الرفق بالحيوان والبيئة، ومنظمات حقوق مش عارف إيه، ستدخل كل تلك المنظمات ولكنه سيكون تدخل حقيقي وستمنع تلك الإبادة فى الفور وربما تُلزم إسرائيل بدفع تعويضات، لكن الموضوع عند الغرب مختلف فالضحية مسلمة،
نعم فى هذا العالم عليك أن تكون ما شئت، أعبد ما شئت، بقرة، بوذا، حتي لو فأر كما يحدث فى الهند.. ولكن هناك شهادة عليك أن تنساها بل وتنكرها وهي ( شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله) هنا أصبحت فى مأمن ويتدخل العالم الغربي لحمايتك ( فعلياً وليس قوليا) هنا تظهر المنظمات التي انشأها من أجل مصالحهم، هنا تجد المعاني التي اختاروها لصالحهم مثل حرية التعبير، حقوق الإنسان، لكنك بمجرد تحولك للإسلام ستجد الجانب الآخر من الحقيقة ويتحول الموقف الغربي من أفعال إلي أقوال، ويتغير موقف المجتمع الدولي من التدخل الفعلي إلي التعليق القولي ( نشجب- ندين- نقلق بشدة) وقد صدق مراد هوفمان عندما أكد أنك في مأمن فى هذا العالم مالم تكن مسلماً ولكني أضيف أنه إذا كان المسلمين ليسوا بمأمن فى دنيا المجتمع الدولي ومجلس الأمن وجمعيات حقوق الإنسان، مؤكداً سيكونوا بخير وأمان فى آخرة العدل القدير في ظل عرش الرحمان.