لن يتكرر….
بقلم / سلوى مرجان
في عام 1700 ولدت لأول مرة لأبٍ يعمل كمهرج في قصر السلطان، كنت أراه يفعل كل ما بوسعه ليضحك السلطان، لكنّ الأخير لم يكن يلتفت له إلا فيما ندر.
توفى أبي وهو يجمع النقود التي ألقاها له السلطان تحت أقدام الجالسين.
ولدت مرة أخرى عام 1800 وفي تلك الفترة كان أبي يعمل في إشعال مصابيح الشوارع ، حيث كان يستخدم الجاز والزيت في إشعال تلك المصابيح، لكنّ حياته انتهت عندما اختل توازنه ووقع من فوق السلم.
أما عام 1900 فقد كان فرصتي ما قبل الأخيرة لأحيا حياة أفضل من سابقيها، في تلك الأثناء كان أبي يعمل مزارعا بالأجر في إحدى الحقول المملوكة لأحد الأمراء، كان يعمل من شروق الشمس حتى غروبها، ورغم ذلك كنا ننام ليال كثيرة دون طعام، مما اضطره لبيع أخي ليعمل خادما في قصر الأمير، نبذه أخي عندما كبر وعامله باحتقار، وآخر زيارة زارها أبي لأخي ليبارك زواجه، أغلق الباب بوجهه، فوقع أبي أمام الباب ولم ينهض مرة أخرى.
أخيرا قررت أن يصير لي دورا في هذه الحياة لعلي أنقذ أبي، فولدت عام 1978، لكنّ أبي كان شخصا آخر غير كل ما حدث في الماضي، فقد كان يعمل بشركة بترول كبيرة، ولديه من المال ما يجعلنا نحيا كراما، زد على ذلك أنه كان صعب المراس، يهابه الجميع حتى أنا، لم يكن من السهل أن أتعاطف مع رجل لا يتعاطف حتى مع نفسه إن أصابها المرض.
ومات أبي وهو في كامل أناقته واقفا على قدميه مبتسما ابتسامة وداع، وفجأة ودون أي مقدمات، دون مرض، دون ألم….. سقط على الأرض، ورحل إلى مكان لا أعرفه، تركني وحدي أتخبط في أحلامي أستجديه الرجوع، فلا يجيب سوى بجملة واحدة( لن أعود أُفضل الحياة هناك)، فأسأل : وما هو عنوانك؟،. فلا يجيب أبدا.
ربما سأولد مرة أخرى، لكن أبي لن يتكرر.