د. محمد كامل الباز يكتب : دروس فى الإخوة
هل أصبح إخواننا فى غزة والسودان هم سبب لكل مشاكلنا الوجودية ؟
مما لا شك فيه أن السوشيال ميديا أصبح من وسائل الاعلام ونقل المعلومة الهامة جدا الأن. شئت أم أبيت بات الرأى العام الإلكتروني مرآه حقيقية للرأي العام فى الشارع، تغلبت الصحف الالكترونية عن قرينتها الورقية وتحولت المعلومة الإلكترونية لقوة مؤثرة لا يستهان بها.
منذ أيام كنت اتجول فى ذلك العالم الالكترونى في دهاليز المواقع وخبايا المنتديات إذ فوجئت بحملة شرسة ضد الفلسطينيين والسودانييون والسوريين….
وجدت كلام غريب ونغمة لم اعهدها من شعبنا المضياف الكريم مثل ( هما إيه اللى جابهم هنا- ميرجعوا بلدهم- غلوا الايجارات- إحنا كنا ناقصنهم) وكلام من ذلك القبيل؛
تملكني الغضب وحاصرني الحزن والدهشة لدرجة أنني لم أصدق ما رأيت ولكني للأسف عندما تعاملت مع الكثير وجدت نسبة ليست قليلة تتكلم بنفس النغمة، تساءلت هل من ذنب اقترفه شعب كي يستيقظ من نومه يجد بلاده قد دَب الخلاف فى أركانه، ما الجرم الذي أحدثه أهالي سوريا واليمن كي يصل للبعض منهم أنهم عبأ علي إخوانهم فى المحروسة، هل هم من هجّروا أنفسهم أم تراهم جاءوا هنا وتركوا ديارهم على سبيل التغيير والتنزه، كيف نظرنا لإخواننا السودانيين الذي جاء منهم الكثير وقد رأي الموت والعذاب فى دارفور أنهم من تسببوا فى رفع الإيجارات وجنون العقارات، أصبح أي مطور عقاري كي يُخفي جشعه ومغالاته فى الأسعار يجد شماعه جاهزة يعلق عليها استغلاله وهي الإخوة السودانيين، كيف لم يعتصر قلبنا من أجل إخواننا فى غزة وما وجدوه من حرب بشعة طيلة تسعة أشهر كاملة تآمر عليهم العالم الكاذب بأسره، فقدوا احباءهم وتعرضوا للجوع والعطش ولم يجدوا ملجأ إلا إخوانهم فيفاجئوا بالكثير يطلب ترحيلهم؛
أذى معنوى ونفسي لا يقل بل يزيد عن الأذى الحسي الذي تعرضوا له طيلة تسعة أشهر ،
أعتقد كما أن الأمة محتاجة لزيادة الوعي والنضج فى كثير من المجالات مثل التعليم والصحة فإن الكثير منا محتاج دروس خاصة فى معني الإخوة، فى حقوق الإخوة، فى التزامات الإخوة، ومن يضحك عليك ويقول أن هؤلاء ليس إخوانك فقط أبلغه بالآية الموجزة التي ذكرها المولي عزو جل فى تعريف الإخوة فى سورة الحجرات
( إنما المؤمنون إخوة)
كيف لبالك أن يكون صافي وهاديء وأنت تعلم أن أخوك فى غزة لم يأكل هو وأولاده منذ ثلاثة أيام، ما بال صفوك لم يُعكر أو تشوبه شائبة وأنت ترى إخوانك فى السودان يتعرضن لأبشع جرائم القتل والاغتصاب ليس هذا فحسب بل أيضاً تتضجر من وجودهم وتطلب ترحيلهم!!
أي سقوط فى معاني الإخوة قد وصلنا إليه !!
عندما هاجر أشرف الخلق من مكة للمدينة كانت هناك بذور أساسية يجب غرسها فى المجتمع الجديد، من أهم تلك البذور فكرة الايخاء بين المهاجرين والأنصار،
نجح الأنصار فى الاختبار الذي فشل فيه الكثير الأن بل أبدعوا ورب الكعبة فى خلق منهج للاخاء سيكون مصباح ينير لكل الباحثين عن هذا المعني، بمجرد أن طلب منهم المصطفى استضافة المهاجرين وآخي بين كل مهاجر و أنصاري فعل الأنصار العجب الذي لا يصدقه عقل؛
كان سعيد بن الربيع الأنصاري أخا لعبد الرحمان بن عوف المهاجر،
لم يجمعهما دم أو نسب، لم يكن شريكه أو صديقه بل هذا نشأ وترعرع فى المدينة وذاك قدم له حديثاً من مكة ولكن بمجرد سماع كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن الإخوة ما قدمه سعيد إبن الربيع لا يستطيع تقديمه الإخوة في الدم الآن!!
حيث قدّم لإبن عوف نصف ماله ليكّون به تجارة ويعيش منه، بل ذهب الأمر إلى أكبر من هذا حيث عرض عليه إحدى زوجتيه أن يطلقها وعند إنتهاء عدتها يتزوجها عبد الرحمان !!!
كيف هذا وهل من الممكن حدوثه في عالم البشر؟،
كيف لرجل عربي معروف بغيرته ونخوته أن يطلق زوجته حتي يتزوجها غيره!!
عرض بن الربيع على عبد الرحمان تقريباً أن يشاركه شطر حياته، لم يقل الأنصار من أين آتي علينا هؤلاء المهاجرين، لم يتضايقوا من وجودهم ويشتكوا ضيق العيش بسببهم، بل استضافوهم فى قلوبهم قبل أن يدخلوا إلى بيوتهم؛
هذا هو المعني الوحيد الذي يمكن أفهمه فى الإخوة، المعني الذى تربي عليه أفضل الناس وكان المُعلم هو أطهر الخلق، لذا مَكّن الله لهم ونجحت دولتهم لأنها دولة تكونت مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمي
.