د. عادل القليعي يكتب : ردا على هؤلاء المخابيييييل
لست صوفيا…. وإنما متصوف.
لماذا الكتابة عن هذا الموضوع الآن وما الذي سيضيفه الكاتب إلى كل ما كتب حول هذا الموضوع.؟!
حاجتنا الآن ملحة للكتابة عن هذا الموضوع لكثرة الفتن والمحن التي نمر بها وكثرة الخرافات والخزعبلات والشعبذة والسحر والدجلة بحجة التصوف والتصوف والمتصوف الحقيقي براء من كل هذه الأمور.
لذا كان لزاما علينا الكتابة عن هذا الموضوع.
فإنه عندما سئل سقراط عن تعريف الفلسفة ، قال هي حب الحكمة ، وعندما سئل هل أنت حكيم قال لا لأن الحكمة لا تؤتى إلا للآلهة ، وإنما أنا محب للحكمة تواقا بحاثا عنها.قد نجدها فى قلب طفل ، أو قلب رجل أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره يتمتم بكلمات قد تكون غير مفهومة لكن أثرها ووقعها كوقع السحر على قلوب المحبين العارفين ، فقلوب العارفين لها عيون ، ترى ما لا يراه الناظرون. (يؤتي الحكومة من يشاء ، ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) وتلك حكمة الله التي هى سر أعظم من أسرار الله تعالى يودعها فى قلوب من اصطفاهم ، وقد تكون فى الطبيعة على هيئة رموز وإشارات ولطائف ربانية ، لتنبه الغافلين الذين غرتهم الحياة الدنيا وغرهم بالله الغرور ، فتظهر حكمته وتجلياته في هذه الترسيمة الكونية كأنك ترى ظاهرة من الظواهر قلما تتكرر إلا بعد مئات السنين أو نرى تجليات الحكمة الربانية في خلقه مما يجعلنا نستفيق من غفلتنا ونعود نحتمي تحت عباءته من أوهام المحدثات وخبث الطبيعة.
لست متصوفا لماذا.؟!، لأنه ليس كل من لبس الصوف والخشن من الثياب وهام على وجهه فى الصحارى والجبال ملتحفا السماء مفترشا الأرض صار متصوفا ، فالتصوف ليس زهدا في ملبس ولا مأكل ولا مشرب فكل هذه أمور مادية قد تتحقق فى أي إنسان ، فرب صائم لم ينله من صومه إلا الجوع والعكس ، قيسوا على ذلك فليس كل مدع للتصوف لم ينله من تصوفه إلا الشهرة كأن يقال عنه صار متصوفا ، فالتصوف الحقيقي استرقاق للقلوب واستغرق بالكلية فى حضرة المحبوب ، فإذا ما حدث ذلك وصار القلب أسيرا فى حبه ، انعكس هذا الحب على صاحبه فصار جميلا ، يرى كل ما يراه جميلا.
ما أروع رابعة العدوية عندما قالت ، أحبك حبين حب الهوى وحب لأنك أهل لذاك. فالحب هنا تجرد عن كل نوازع الحس الفانية ، وتعلق القلب والفؤاد والروح بالمحبوب الأعظم دونما حاجة ، دونما وساطة وإنما هو ومضات وفيوضات ونفحات ربانية تأتى لصاحبها عن طريق التجرد والتخلي وهذا التخلي لا يكون إلا بالمجاهدة (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين)، عن طريق الهجرة المعنوية من دار الفناء إلى دار البقاء فى رحلة روحانية نعود منها أو يعود منها المريد محملا بالأنوار الإلهية فينعكس هذا القبس النوراني على كل من حوله فيعمل بجد وإخلاص ، فالمتصوف الحقيقي هو الذي يخالط الناس ويمشي فى الأسواق ويعلم الناس العبادة الحقة ، المتصوف الحق هو الذي يعمل بالقرآن والسنة متمثلاً قوله تعالى (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، المتصوف الحقيقي هو الذي لا يسقط التكاليف والفروض ، فالمتصوف الحقيقي هو الذي ينأي عن الخرافات والخزعبلات والشطحات.
وما أروع تعريف معروف الكرخي للتصوف عندما قال ، التصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما فى أيدي الخلائق.
ونحن نقول التصوف الحقيقي هو تخلى عن كل ما هو فان والتحلي بكل ما هو باق ، التخلي عن الأغيار والاتجاه قلبا وقالبا إلى رب الاغيار ، التخلي عن الوسطاء فليس ثمة وساطة بين العبد والرب.
المتصوف خزائن علمه فى قلبه ولا يخرجها إلا لمن طلبها ومن هو أهل لحمل أمانة هذه العلوم ، فهذه العلوم لا تودع فى بطون الكتب ، فالكتب تفنى قراطيسها أما القلوب فخزائن سر الأسرار.
التصوف رقي وترقى فى درجات تليها درجات إلى أن يصل المريد إلى غاية مراده ، فبعد أن يكون مريدا يصير مرادا ، بعد أن كان محبا يصير محبوبا (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)فما أعظم أن يحبك الله تعالى.
التصوف علم باطن ، فلكل باطن وظاهر ، أما الظاهر فالعمل بالكتاب والسنة تحقيقا لأصول الدين ، أما الباطن فتلك علاقة لا يعلم حقيقتها إلا الله تعالى ، ومن ذاقها وذاق لذتها فتحققت له السعادتين ، سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
المتصوف قائد سفينة نفسه إذا كان ملاحا ماهرا نجا من ظلمات البحر اللجي وروض أمواجها الهائجة مستعصما مستمسكا بمعطياته تعالى وهباته التي وهبها له الله تعالى.
انظروا إلى أنفسكم هل أنتم صوفيون أم متصوفة فبون شاسع بين المصطلحين.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.