توجهت وابني صاحب الثمانية أعوام إلى محطة حافلات السفر، كان الوقت باكراً والغيوم تملأ السماء، جلسنا قرابة النصف ساعة في انتظار الموعد، وقبل قدوم الحافلة بدقيقتين، طلب مني ابني شراء زجاجة ماء، وكان (الكشك) على بعد خطوات من جلستنا، فأعطيته النقود وأنا أتابعه بعيني، حتى رأيت الحافلة قادمة فوقفت وتحركت باتجاهها، وكان السائق يسير بسرعة جنونية، وتوقف أمامي تماماً، ركبت وحدي وعيني على صغيري المشغول بأخذ باقي الحساب، فقلت للسائق الذي يخبئ نصف وجهه:
_ ابني يشتري الماء وسي……
لم يمهلني فرصة للكلام ووضع يده على الزر وأغلق الباب.
صرخت به:
_ قلت لك انتظر، ابني سيأتي، انتظر.
وكأنه لا يسمعني أبداً، تحرك مبتعدا وأنا أنظر لصغيري هناك يتلفت حوله في فزع، حاولت أن أهز الرجل، أضربه، فعلت كل شيء، ولكنه بدا كالصنم لا يتحرك ولا يجيبني بكلمة ولا حتى ينظر لي، وكان يلف ويدور حول المحطة فتارة يقترب من ابني وتارة يبتعد، ورأيت ابني وقد تجمع الناس حوله يربتون عليه ويمسحون دموعه، وهو يبكي بحرقة انتزعت قلبي انتزاعا، وددت لو أكسر نوافذ الحافلة الخالية إلا مني والسائق وأطير لأضم صغيري المفزوع، وفي اللفة الثالثة للحافلة وقد اقتربنا بشدة من ابني، وجدت امرأة تحمله بحنان وتحجب عينيه عن شيء ملقى على الأرض يتجمع الناس حوله، اقتربت الحافلة أكثر، فوجدتني هناك مكومة على الأرض تغطيني الدماء…. ثم مضت الحافلة بي بعيدا بأقصى سرعة.
اترك تعليقك ...